Sunday, November 1, 2009

لطخة صغيرة في ثمرة مخزنة

أو. هنري
قاص أمريكي وُلد تحت اسم ويليام سيدني بورتر في 11 سبتمبر 1862 في مدينة جرينزبورو بولاية نورث كارولينا حيث أمضى سنوات طفولته. اتصف هنري بغزارة الإنتاج, إذ نشر خلال حياته عشر مجموعات قصصية وحوالي 600 قصة قصيرة. عرَّفت هذه القصص فعلياً فن القصة القصيرة باعتباره شكلاً أدبياً مستقلاً, ولا يزال التلاميذ يطالعونها في المدارس الأمريكية ويترجمها المترجمون في العالَم أجمع إلى جميع اللغات الحية. تخلل إدمان الخمور واعتلال الصحة والمشاكل المادية سنوات هنري الأخيرة. توفي من جراء التليف الكبدي ومضاعفات مرض السكر وتضخم القلب بمدينة نيويورك في 5 يونيه 1910
. أقيمت جنازته في مدينة نيويورك غير أنه دفن في مدينة آشفيل بولاية نورث كارولينا.




O. Henry
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لطخة صغيرة في ثمرة مخزنة

للكاتب الأمريكي: أو. هنري
ترجمة: أميمة صبحي

كانت نهاية شهر العسل. الأرضية المغطاة بسجاجيد حمراء والستائر المزينة برسومات نبات الذرة والمنضدة المصنوعة من خشب السنديان فوقها ست أباريق وأغطية أوان مرتبة فوق حافتها. وكان الجمال يداعبهم بقربه منهم، فلم يحدث أن شاهد أيا منهما زهر الربيع الأصفر على حافة نهر، أنه جمال بدا لهم وكأنه.. أوه، أيا كان، فلابد من شاعر حتى يستطيع أن يستشعره بجانب هذا الزهر.

على الكرسي الهزاز تجلس العروس واضعة قدميها في وجه العالم بأحلامها الوردية التي تغلفها مرتدية ثوب فضفاض له نفس لون أحلامها. تتساءل في نفسها عن ماذا يقول الناس لبعضهم في جرين لاند وتسناميا وبيلوشيستان عن زواجها من كيد ماكجاري. وهل أحدث هذا أي اختلاف. فلا يوجد مصارع وزن ثقيل من لندن حتى كروس الجنوبي يستطيع أن يقف لأربع ساعات..لا، أربع جولات، مقارنة مع عريسها. العريس الذي كان رهن إشارتها لمدة ثلاث أسابيع حيث تكفي إشارة من عقلة إصبعها الصغير المعقوفة لتجعله يتمايل أكثر من قبضة رجل يزن 142 رطل.

الحب، عندما نمنحه، فانه الاسم الآخر لنكران الذات والتضحية، وعندما يتلقاه اناس بلا أي جهد فانه يعني الغطرسة والولع بالذات.

مرت العروس من فوق أحذيتها ونظرت بعمق إلى رسومات كيوبيد الملونة في سقف الحجرة ثم همست وكأنها كليوباترا وتطلب من انتوني مفاتيح روما في يديها بعد تزينها بالأوراق الملونة "حبيبي، كم أنا مشتاقة للخوخ"
نهض كيد ماكجاري وارتدى معطفه وقبعته، لقد كان شاب جاد ومهندم ورشيق و....عاشق، ثم قال بهدوء كما لو انه فقط وافق على توقيع مقالات لمحاربة بطل انجلترا "حسنا، سأذهب لأحضر لك واحدة"
"لا تتأخر، سأشعر بوحشة شديدة بدون فتاي الشقي" قالت العروس، "احصل على واحدة ناضجة ولذيذة". وبعد وداع طويل يلائم رحلة وشيكة لخارج البلاد، نزل الفتى الى الشارع.

هنا سيبدو تردده معقولا جدا، فبالنسبة لموسم ربيعي مبكر والشوارع والمتاجر باردة، تصبح فرصة الحصول على مبتغاه الشهي من زهرة صيفية ذهبية ضئيلة وبعيدة المنال. توقف في ركن متجر إيطالي للفواكه وأطلق عين هازئة على البرتقال المغلف والتفاح اللامع والموز الشاحب الذي في حاجة لبعض من أشعة الشمس. سأل الفتى البائع بلهجة عاشق إيطالي متيم "خوخ؟" فأجاب البائع بنفس اللهجة "أوه، لا، ليس قبل شهر قادم، اعتقد قريبا جدا، لدي الآن برتقال شهي. أتريد بعضا منه؟"

طارد الفتى مطلبه بازدراء، دخل جميع المطاعم والمقاهي الليلية حتى وصل إلى صالة البولينج التي يملكها جاستس اوكلاهان صديقه والذي كان هناك يبحث عن تسربات للغاز....
"أنا أريده بشكل جدي، فالسيدة العجوز مشتاقة إليه. كال، إذا كنت ستحصل عليه فليكن سريعا من فضلك، أنا أريده بشدة ويا حبذا لو في كميات"
"المكان ملك لك، كيد" قال اوكلاهان "ولكن لا يوجد به خوخ، موسمه قريبا جدا، لا اعتقد انك ستجده الآن في أي مكان في برودواي. انه لشئ سئ للغاية أن تتمنى سيدة نوع محدد من الفاكهة وكأن لا شئ آخر سيوافق شهيتها. على أي حال الوقت متأخر جدا لتجد أي من محال الفواكه ذات الدرجة الأولى مازالت تعمل. ولكن لو تعتقد أن عروسك قد تستسيغ بعض البرتقال الطازج فلدي صندوق من أفضل أنواعه، هذا لو أحبت هي..."
"يا له من جميل، يا صديقي مهمتي الآن هي إيجاد هذا الخوخ، عموما سأحاول بجهد أكبر"

كان الوقت تقريبا منتصف الليل عندما عرج الفتى إلى الجادة الغربية. القليل من المتاجر مازالت تعمل حتى هذا الوقت مع وجود الكثير من الاستهجان من مجرد فكرة الخوخ. ولكن عروسه مازالت تنتظر في حجرتها بثقة. أيعقل أن بطل الوزن الثقيل لا يستطيع إيجاد ثمرة خوخ؟ أيعقل انه لم يخطو بنصر فوق المواسم والأبراج والتقاويم ليحضر لها خوخ شهر يونيو؟

التقطت عين الفتى واجهة إحدى المتاجر المضاءة والمليئة بألوان طبيعية كثيرة رائعة. ولكن الضوء انطفأ فجأة فجرى الفتى بأقصى سرعته وامسك البائع قبل إغلاقه للمتجر. وسأله بتأن صارم "خوخ؟"
"لا يا سيدي، ليس قبل ثلاث أو أربع أسابيع من الآن، ليس لدي أي فكرة أين يمكنك إيجاده. من المحتمل أن تجد القليل في المدينة مزروعا في صوبة زجاجية ولكن من الصعب تحديد المكان بالضبط. من المحتمل أيضا أن تجده في الفنادق الكبيرة، إنها مكان ما حيث الكثير لتضيع عليه أموالك. لدي الآن برتقال شهي جدا جاءني على متن السفينة اليوم"

بقى الفتى في الركن لدقائق ثم اتجه بحده تجاه عامودين مضاءين بضوء اخضر محيط بسندات عمارة أسفل جانب الشارع المظلم. و سأل مكتب ضابط نظام قسم الشرطة "أيوجد شرطي هنا؟". في لحظات جاءه شرطي بهمة من الخلف مرتديا ملابس بسيطة ونشيط الحركة. "مرحبا أيها الفتى" قال الشرطي للملاكم "أوليس أنت صاحب الجولة الزفافية؟"

"كان ذلك بالأمس، أنا الآن مواطن عادي فحسب. اعتقد أني سأتجه للاهتمام بشئوننا الداخلية. إلى أي مدى يناسبك اقتحام مكان دينيفر ديك الليلة أيها لشرطي؟"
"لم يعد هذا يفيد الآن" قال الشرطي وهو يفتل شاربه "لقد تم غلق مكانه منذ شهرين"
"هذا صحيح" قال الفتى "لقد طارده رافتي خارج منطقة 43، ولقد عاد الآن ليلعب في منطقتك واتسعت لعبته كثيرا عن ما سبق. اعرف أن لعبته تهدد السلطة وأستطيع أن أضعك ضدها"
"يلعب في منطقتي؟" تذمر الشرطي. "هل أنت متأكد أيها الفتى؟ إنها خدمة سأقتنصها، كيف سنفعل ذلك؟"
"بالمطارق" قال الفتى " لم يضعوا أي حديد على الأبواب حتى الآن، ستحتاج لعشر رجال. لن يدعوني ادخل المكان. فدينفر حاول أن يستخدمني. لقد فكر في أنني أوشيت به في هجوم آخر، لم افعل، ومع ذلك. لابد أن تسرع، عليّ أن أعود لمنزلي، بيته على بعد ثلاث بيوت من هنا."
قبل أن تنقضي عشر دقائق تسلل الشرطي مع دستة من رجاله والفتى الذي يلعب دور الدليل إلى داخل رواق المبنى المظلم والحيوي الذي يعقد به الكثير من الأعمال على مدار اليوم.
قال الفتي هامسا "سأقود الطريق، الدور الثالث الخلفي". اتجه اثنان من الرجال الحاملين الفؤوس إلى الباب الذي أشار إليه.

"الهدوء يسود المكان" قال الشرطي في شك "أمتأكد من أن اتجاهك صحيح؟". قال الفتى وهو يشير إلى الباب "سنكسر هنا" ثم وجه كلامه للشرطي "من سيعرف إذا لم افعل أنا؟"
انهالت الفؤوس فوق الباب المكشوف. وتدفق بريق من الضوء من بين ألواح الباب المحطمة الذي سقط ودخل المغيرون إلى الحجرة وبأيديهم الأسلحة.

كانت الحجرة كبيرة مزودة بأثاث فخم مبهرج يشير إلى ذوق دينيفر ديك الغربي بجانب الألعاب المتنوعة المرصوصة في اهتمام وحولها حوالي خمسين رجل. هاجم الرجال الخمسين رجال الشرطة باندفاع شديد ليدافعوا عن أنفسهم فاضطر رجال البوليس لضربهم ضربة خفيفة بالهراوة فقام أكثر من نصفهم بالفرار.
كانت اللعبة مقامة على شرف ديك هذا المساء الذي قاد الهجوم ويبدو انه كان ينوي أن يدفع أجسام الجنود الضئيلة بقوة ولكنه حين رأى الفتى بدأ سلوكه أن يكون شخصي. بوصفه ملاكم من الوزن الثقيل فلقد ألقى نفسه بسرور على عدوه النحيل التافه وتدحرجوا سويا على السلم متشابكي الأذرع. وفوق منبسط الدرج تفرقا ونهضا، في هذه اللحظة حاول الفتى أن يستخدم مهاراته التكتيكية التي بدت غير مجدية أمام قبضة مصارع يزن 200 رطل يكاد أن يخسر معدات بقيمة 20.000 جنيه.

بعد أن افلت من خصمه صعد الفتى مسرعا وتخطى حجرة القمار إلى حجرة أخرى صغيرة متصلة بها عن طريق مدخل على شكل قوس. في الحجرة الصغيرة يوجد منضدة طويلة عليها آنية خزفية وطبق مائدة فضي يدلوا على ذوق رفيع بجانب بعض الطعام المتناثر بسخاء، طعام من ذلك النوع الذي يفترض تواجده في بيت أي رياضي محترف. استطاع أن يلاحظ في هذه الحجرة الصغيرة ذوق جنتلمان ذو لقب اسري له أصول مدنية.

وجد الفتى حذاء جلدي يحمل رقم عشرة في غير مكانه على الأرض وبينما يمسك به قبض، تباعا، على رجل أسود يرتدي رباط عنق أبيض وملابس توحي بأنه خادم.
"انهض" أمره الفتى "هل شاركت في إعداد هذا الغداء الشهي؟"
"نعم، هذا صحيح، لقد شاركت في إعداده. هل سيطلبون منا مزيد من العمل يا سيدي؟"
"على ما يبدو، استمع إلى، هل يوجد هنا أي ثمرة خوخ؟ إذا لم أجد هنا ساضطر للاستسلام"
"نعم، كان يوجد ثلاث دست عند بداية اللعب هذه الليلة ولكني اعتقد أن السيد قد التهمهم جميعا. إذا أردت أن تأكل برتقال معدل أستطيع أن أجد لك بعضا منه"
"تحرك بسرعة" صرخ به الفتى بتجهم "واحضر لي الخوخ فور إيجادك له أو ستواجه المتاعب. إذا تفوه أي شخص أمامي بأي كلمة أخرى عن البرتقال هذه الليلة سأصفعه على وجهه"
الغارة على حفلة دينيفر ديك المدبر لها بعناية كشفت عن ثمرة خوخ واحدة باقية أخيرة استطاعت أن تفلت من الفك المستمتع بطعمها الشهي المنتظر فرصته، وذهبت إلى جيب الفتى الذي غادر كباحث لا يتعب ولا يكل من اجل جائزته، ملقيا نظرة خاطفة على المشهد الذي يدور فوق الرصيف أدناه، حيث الضباط يقودوا سجنائهم داخل عربة الشرطة، ثم انتقل إلى البيت في خطوات واسعة سريعة.

كان قلبه مضيئا وهو يقطع الخطى. وانطلق كالفرسان العائدون لسيداتهم الجميلات بعد مخاطر وإنجاز بطولات عظيمة عائدا إلى كاميلوت. فلقد أمرت سيدته وكان هو طوع أمرها. صحيح، نعم، إنها مجرد ثمرة خوخ تاقت نفسها إليها، إلا انه لم يكن هناك ما يمكن فعله لإيجادها في منتصف الليل في مدينة شتوية حيث ثلوج فبراير متراكمة كطبقة من حديد. لقد سألته عروسه أن يجلب لها ثمرة خوخ وهي الآن في حوذته دافئة في يده يتلمسها بحرص شديد خوفا من أن تقع من جيبه ويفقدها.

في طريقه عرج إلى صيدلية وسأل الموظف الساهر بها "يا له من لهو، أتمنى لو ترى مدى إصابة ضلعي، أخشى أن تكون مكسورة. فلقد كنت في شجار صغير وسقطت درجة أو درجتين من فوق السلم"
فحصه الصيدلي. "لا يوجد أي كسور" قال مشخصا الحالة "ولكنك مصاب بكدمة هنا تبدو وكأنك ارتطمت بمكواة مرتين"
"حسنا" قال الفتى "اعطني فرشاة ملابسك من فضلك"

انتظرت العروس في ظل وهج المصباح الوردي اللون. لم تمض المعجزات كلها بعد، فبتمني شئ تافه مثل وردة أو رومان أو، أوه.... نعم، انه الخوخ، لقد أرسلت فتاها في منتصف الليل لعالم لا يمكنه الصمود أمام ملاكم الوزن الثقيل وهو قد نفذ أمرها. الآن يقف بجانب كرسيها ويترك ثمرة الخوخ بين يديها.
"أيها المشاغب" قالت بولع. "هل قلت خوخا؟ اعتقد أني كنت سأفضل البرتقال أكثر"

هنيئا لكِ إن كنت عروس.