Thursday, January 31, 2013

إلى عالية

سأحكي لكِ يا عالية كثيرا عنك. عن رحلتك الطويلة التي قمتِ بها وحدك بداخلي. وحدك في الظلام لا رفيق سوى دقات قلب مرتعش خائف من اللقاء، مرتجف شوقا ولوعة، واهن تحت وطأة فعل الحب الذي أوجدك بين طيات الجسد الذي يسكنه. كنتِ معجزة كبيرة بعد أخرى. نطفة صغيرة سكنت ذلك الجسد قبلك ثم هربت مبتعدة ربما بعد ان اختبرته ووجدته لا يصلح مكان للبداية والميلاد.كنتِ انتي من مددت لي يدك بصدق وهمست قرب القلب الذي يخفي لوعته بأنك باقية ولن ترحلي رغم كل شئ. كان الجسد دوما جامحا لا يكترث بما يحمل ويتحرك كثيرا في جميع الاتجاهات. يرفض المكوث والانتظار. أنا اكره الانتظار يا عالية، لا انتظر احدا انما اذهب إليه بشكل مباشر. لا انتظر فرصا، فقط أوجدها في الحال وامرها بالانصياع. إلا انتِ، كنتِ علبة مغلفة بسلوفانة ذهبية انتظرتها لشهور كنت اتذمر فيها كل يوم وأشكو إليك منك في بعض لحظات الغضب، وكنتي تضحكين، سمعتك مرارا ورأيتك على شاشة السونار ترقصين باليه مائي داخل أحشائي. تتحولين لحرف "الراء" في رشاقة غير معهودة. ورغم الغيظ من وراء الألم إلا اني كدت اصفق لكِ باعجاب امام الجميع. 
كانت علاقتي بكِ تترنح بين الغضب والحب. حكيت لكِ في تلك الأيام عن كل شئ. عن غثيان الصباح وعن أنفي الذي أصبح يتملص من وظيفته ويتصنع البلاهة ويكره الشم. حكيت لكِ عن الشوق الذي سبق الجميع الينا والحنين السخيف. لا شئ هنا يتركنا يا عالية، لذا أحضري معك حقيبة واسعة لتسع كل الأشياء التي تصر على اصطحابنا مهما كانت صعوبة الرحلة. حكيت لكِ مرارا عن الديناصور الذي انقرض جميع اصدقائه ولم يكترث. لم يلتفت ابدا لقوس قزح الذي ملأ السماء، ولم يرى المطر. حتى تلاشى وحيدا وهو لا يدري انه يتلاشي، وهو لا يهتم. كنت أحاول ان أجعلك تحدقين بقوة في العالم، ألفت انتباهك ان لا تتلاشي مثل ذلك الديناصور الرمادي. في نهاية الرحلة طلبت منك ان تبتسمي فور رؤيتي، أخبرتك اني توحشتك بشدة وأسمعتك بعد موسيقى الجاز الرائقة الحلوة مثل شفتيك. 

جرح عريض عميق أسفل البطن كلما تحسسته، كلما تماديت في نشاط مفرط ووخزني الألم، ذكرتك. لا صحة لما يتردد ان الأم التي لا تلد بشكل طبيعي لا تشعر بمولودها. جرحي الذي سيسكني كل ما بقى من العمر شاهدا على علاقة دامت سنوات بعدد خلايا الجلد الذي شُق من أجلك. كانت المفاجأة انك ضحكتي بقوة فور رؤيتي. رغم اني لم اكن أول وجه تنظرين إليه، إلا ان أول ضحكة كانت لي تماما كما اتفقنا سويا، انا بكلماتي وانتي بحركة كوعك البطيئة التي كادت تشق أعلى البطن. لا أحد يصدق تلك المعجزة الصغيرة أبدا. لسنا  بمفردنا نعرف ذلك السر ولكن وحدنا نؤمن به ونحيا بداخله.
انتي كائن شتوي يا عالية. كان ميلادك شتويا رغم ربيع الثورة التي طالما انتظرتها. لن ارتدي ثياب البطلة واحكي لكِ عن تظاهرات زائفة لم تطأها قدمي ولكن يكفي ان تعرفي اني طالما انتظرتها. ربما هي الوحيدة غيرك التي انتظرتها طويلا.

بكأس الشراب المرصع باللازورد
انتظرها
على بركة الماء حول المساء وزهر الكولونيا
انتظرها
بصبر الحصان المعد لمنحدرات الجبال
انتظرها
بذوق الامير الرفيع البديع
انتظرها
ولا تتعجل فان اقبلت بعد موعدها
فانتظرها
وان اقبلت قبل موعدها
فانتظرها

وهكذا كان الانتظار مشبوبا برائحة العشق والموت. يوم ميلادك كان عشية جمعة الغضب يا عالية. أُغلقت كل الطرق بالكاد وجدت طبيبتي طريقها إليً ثم لم تستطع ان تعود مرة أخرى في المساء. كنت أراقب الموت بينما من داخلي تنبثق الحياة. يعلو صوت بكائك جوعا وتعلو الهتافات أعلى وأعلى حتى إسقاط النظام. الكثير والكثير الذي سأحكيه لكِ والذي لن استطيع روايته لشدة وطأته على قلبي. توقفت عن الكتابة منذ حادثة الشاب خالد سعيد التي فجرت كل شئ ولم أعود إليها إلا بكِ يا عالية. أُليًن مفاصل صوابعي وأُعيد تدريب مفاتيح الكيبورد ومخازن العقل حتى تنساب الكلمات مرة أخرى من أجلك. أوقفني الانبهار بما حدث بعد تلك الحادثة واحداث الثورة المتتالية. أوقفني عجزي وألمي لعدم مشاركتي بما انتظرته طويلا. أوقفني الموت الذي لم أراه بهذا الكم والوحشية من قبل. وأعادتني الحياة التي تلمستها بلمسة يدك الصغيرة. الحياة التي سرت داخلي بضحكتك الأولى لي.

وإليك ايتها الكائن الشتوي أهدي لكِ هذا في عيد مولدك الثاني.

وهتعمل ايه يابو قلب مصبوغ بالجَدَب 
مع بنت تكوينها بيشبه للشتا؟ 
متلوّنة بريحة يناير 
روحها عاشقة الكلفتة 
واكمنها..مروّية فى القلب بتعب 
كان فيها منه حجات كتير 
يمكن دفاها..أو جفاها 
أو شرودها عن دواها 
أو هواها للسهر 
وبرغم سقعة جوّها 
تلقاها تقدر لو تعوز..تصبح غطا 
البنت سكة للسفر 
وانت المسافر فيها مهما كان قلبك عجوز 
..لساك فتى 
كات جدتى بتحكى زمان 
ان البنات.. 
تأويلها جوة الحلم دنيا 
والحلم كان واجب نفاذه فـ خطوتين 
"كام رقصة صولو من الوجع 
على رتم أوتار الكمان" 
وكأنه ديْن 
وان الميزان..علشان يوازن كفتين 
فـ البنت يلزمها تعيش كام ألف ضحكة 
عشان يعادلوا حزنها 
والحزن لو كان تُقل وزنه يسوى مَبْكى 
بضحكة واحدة منّها. 
يامفرّقين حبة دفا ع البردانين 
قلب الشتا زى الرصيف 
او زى شارع كان مداه ضلمة 
ومخبّى وسط العتمة نور 
والبنت برضه قلبها شتوى 
عكس الخريف 
يسكنها حبة ضىّ رغم الليل 
..كل البنات 
تقرب لروح البرد فى البوح والسكات 
زى الحكاوى الدبلانين 
حدوتة كات متشتتّة 
مكتوبة لكن ما اتحكتش 
مش ميتّة..لكنها 
تفاصيلها لسة ماتعاشتش 
وعشان كدة 
كل الصبايا فطبعهم.. 
بيكونوا أجمل فى الشتا 
كل الصبايا فطبعهم 
بيكونوا أجمل.. 
.. 
فى الشتا


شعر/ اسراء مقيدم
آداء/ زينب فرحات

حجرة داروين

مريحة، خاصة، هادئة. إلى ماذا يحتاج رجل نبيل عاش في العصر الفيكتوري أكثر من هذا؟ فحياة تشارلز داروين تقريبا بالكامل قضاها في متابعة دراسته. كانت هذه الحجرة ملجئه ومصدر قوة فكرية بالنسبة له.
هناك كتب "اصل الأنواع"، ذلك الكتاب المثير للجدل والذي كان بمثابة نقطة البداية في تحول تفكير العلماء حول الطبيعة. وهناك تلقى الأخبار الصادمة التي تقول ان الفريد راسل والاس قد توصل لنفس النظرية حول التطور عن طريق الانتخاب الطبيعي. وهناك واجه عاصفة من الانتقادات بعد نشره عام 1859.
بالرغم من انه كان مكان مختفي بعيدا في ولاية كنت بأمريكا مما جعله يتمتع بخصوصية عالية إلا ان فعالية دراووين جعلت منه محور لحركة عالمية للإصلاحات العلمية.
بحث دارووين وكتب عشر كتب ضخمة في هذا المنزل الذي يسمى "داون هاوس". كان يجلس على الكرسي الجلدي بجانب المدفأة وعلى ركبتيه مائدة متوازنة وأوراقه وملاحظاته المدونة قريبة من يديه في فجوة جدارية ضخمة محاط بصور لزوجته وأصدقائه المقربين، الباب مفتوح قليلا فيمكن للأطفال ان يدخلوا للحجرة أثناء لعبهم.
كان زوج وأب حنون يسمح لأطفاله باللعب بالخشبة الدوارة المخصصة لوضع قدميه بتحريكها عبر الغرفة بالعصا الذي يستخدمها أثناء مشيه. وبشكل منتظم كان يأخذ قبعته ويخرج لنزهة منعشة في الحديقة.
ولكنه كان أيضا مريض يستخدم الركن الايسر في الحمام وينزوي فيه أثناء نوبات الغثيان المنتظمة التي كانت تنتابه ولا يعرف أسبابها. كانت دراسته أيضا هناك حيث انسحب من ضيوفه الذين يترددون على بيته ويقوموا بإزعاجه. فقط الزوار الذي اختارهم  كان يدعوهم للداخل. كأنه يعيش حياته على متن سفينة بيجل الملكية، السفينة التي أخذته سابقا في جولة حول العالم، دراسته كانت أشبه بمقصورة أخرى معزولة عن العالم وزوجته والعاملين بالمنزل مثل ظباط البحرية المنظمين.
 إحساسه بالاستقرار والنظام والخصوصية هو فقط ما جعله يشعر بالقدرة على ان يضع أفكاره أمام العالم. 




ترجمة: أميمة صبحي
عن الجارديان - 2009

Wednesday, January 30, 2013

حجرة جورج برنارد شو


 كان هذا مكان غريب لاشتراكي ذو لحية حمراء مع أفكار عظيمة عن كيفية تغيير العالم والوصول لنتيجة. ولكن على نحو ما كانت تلك الحجرة مناسبة لشو الذي كان سيد المفارقة، والى جانب ما يحتاجه جميع الكتاب حتى المشهورين جدا منهم فقد كان يحتاج إلى الخصوصية وهو يكتب.
"الناس تزعجني" يعترف شو "آتي هنا لاختبئ منهم"، ومن هذا المخبأ المتواضع أزعج شو الناس دون توقف.
ومع ذلك، المكان الذي آتاه ليمكث فيه في عام 1906 وهو في الخمسين من عمره في مدينة هارتفوردشاير بانجلترا بقرية صغيرة تسمى ايوت ست لاورينس كان بها متجر تجاري واحد وكنيستين ولا يوجد محطة قطار أو مكتب بريد لاستلام الصحف.
فحينما يكون متفرغ، لا يخرج المسرحيات أو يلقي الخطب أو يطارد الناشرين ويجادل كتاب السيرة ويتوقف عن كونه ظاهرة عالمية، فانه يعتزل ليقوم بتوبيخ كل شخص من ملجأه السري.
المنزل نفسه كان بسيط كبيوت الضواحي بنى على هيئة معبد صغير، لم يحبه كثيرا في الحقيقة وكذلك زوجته ولكنه كان مشغولا للغاية فلم يبرحه ومكث فيه حتى وفاته في عام 1950، ومع مرور الوقت عرف على انه "ركن شو".
كان يحب السفر ذهابا إلى مكتبه وقد سمح ذلك لزوجته بان تبلغ المتصلين بأنه بالخارج، كوخ الكتابة هذا الذي يشار إليه أحيانا باسم "بيت الصيف" أو "مخزن للأدوات" في بعض الأحيان بشكل خاطئ، يأخذ منه دقيقة ممتعة أو دقيقتين ليصل للفناء الخلفي للمنزل بعد النزول من الشرفة، وكان يطلق على هذا المكان "الريفيرا".
هذا الملاذ على نحو ما كان يشبه كابينة التليفون العامة الطائرة بمسلسل الخيال العلمي البريطاني "مَن الطبيب" فيبدو من الخارج اصغر من الداخل. وقدم خدعة الطيران حول العالم منذ تمكُن حجرته من الدوران ومتابعة الشمس بدفعتين قويتين واحدة في الصباح والأخرى في وقت الظهر. من توقع ان يكون هناك كل هذه التكنولوجيا؟ كان هناك سخان كهربي وآلة كاتبة وسرير لينام عليه قيلولته النابليونية وهاتف يستخدم في حالات الطوارئ كطلب وجبة الغداء. حقا كل شئ من الممكن ان يحتاجه كاتب.



ترجمة: أميمة صبحي
عن الجارديان - 2009

Friday, January 25, 2013

حجرة جين أوستن

قبل وفاتها بقليل وصفت جين اوستن كتاباتها بأنها تمت بفرشاة ناعمة على "جزء صغير –لا يتعدى بوصتين – من العاج"، لم تكن روايتها مصغرة ولكنها انتهت من عملها على ارض ليست اكبر بكثير من هاتين البوصتين. فهذه المنضدة الضعيفة ذات الـ 12 جانب المصنوعة من شجر الجوز والقائمة على حامل وحيد ثلاثي الأرجل، لابد إنها اصغر منضدة استخدمها كاتب على الإطلاق وعليها رسخت نفسها ككاتبة بعد فترة طويلة من الصمت.
كتبت رواياتها الأولى في الطابق العلوي حيث بيت القسيس الخاص بوالدها بهامبشاير ولم يتم نشرهم حتى انتقلت الأسرة إلى باث عام 1800 حيث أصبحت الكتابة تقريبا مستحيلة. فقط في عام 1809 عندما عادت لهامبشاير واستقرت في كوخ في عزبة كاوتون الخاصة بأخيها ادوارد تمكنت من تكريس نفسها للكتابة مرة أخرى.
كان الكوخ بمثابة منزل للسيدات، السيدة اوستن وابنتها وصديقتهم مارتا لويد، وكن يتشاركن جميعا في أعمال المنزل والحديقة، وقد سمح لجين بوقت خاص حيث إنها لم تكن لديها حجرة خاصة بها، فجلست بجانب الباب الصغير الأمامي وهناك كانت تكتب على صفحات صغيرة حيث يمكن إبعادها أو إخفاءها بورقة بسهولة. صرير الباب كان بمثابة تحذير لها عند قدوم أي شخص وقد رفضت معالجة هذا الصرير.
ذهبت مخطوطات روايات اوستن المعدلة "العقل والعاطفة" و "كبرياء وهوى" إلى لندن من فوق هذه المنضدة ليتم نشرهما عام 1811 وفي عام 1813 من فوق هذه المنضدة أيضا جاءت "حديقة مانسيفلد العامة" و"ايما" و"الإقناع".
هنا دونت تعليقات الجيران الشجاعة، مدام برمستون من قرية اوكلي هال التي اعتقدت ان "العقل والعاطفة" و "كبرياء وهوى"  مجرد هراء والعزيزة مدام ديجوييد تطوعت وقالت "لو كانت لا تعرف الكاتبة كانت بالكاد 
تمكنت من إنهاء ايما"
توفت اوستن في عام 1817 وبعد وفاة شقيقتها كاسندرا عام 1845 واخذ المنضدة احد الخدم، الآن رجعت لبيتها القديم لتحكي لكل زائر عن تواضع العبقرية.



ترجمة: أميمة صبحي
عن الجارديان - 2009

حجرة شارلوت برونتي

لم تكن الحجرة الهادئة في هاورث بارسوناج بإنجلترا حجرة طعام فحسب، ولكنها عُرفت أيضا كردهة وكحجرة للرسم. وقد اعتاد الأخوات برونتي أن يكتبن ويناقشن أعمالهن مع بعضهن بداخلها.
عندما قامت الروائية اليزابيث جاسكيل، صديقة شارلوت وكاتبة سيرتها فيما بعد، بزيارة تلك الحجرة، اندهشت من مدى نظافتها وترتيبها الأنيق. فبالمقارنة مع الألوان الكئيبة الباردة التي تكسو مروج اليوركشير بالخارج، بدت الحجرة وكأنها تشع دفء وتبعث على الراحة والمتعة، حيث غلب اللون القرمزي على الأثاث. في ذلك الحين، كانت شارلوت بالكاد كاتبة مشهورة، رغم نشر عدة روايات لها.
لاحظت جاسكيل صورة لها أعلى المدفأة، رسمها الفنان جورج ريتشموند بتكليف من ناشرها. وقد كانت تجربة الجلوس لرسمها مربكة بالنسبة لشارلوت التي انهارت في بكاء مرير عندما سألها ريتشموند أن تزيح شيء غريب فوق رأسها، اعتقادا منه إنها جزء سقط من قبعتها، ولكنها كانت جزء من شعر مستعار اخفقت شارلوت في وضعه مما جعل الموقف محرج. ومع ذلك استطاع ريتشموند أن يصور البريق الموجود في عين شارلوت وجعلها تبدو أجمل، على الرغم من قبح وجهها وملامحها البعيدة عن التناسق وأسنانها المفقودة. وتبقى هالة من الحزن تحيط بالمكان، رغم دفء ديكور الحجرة الذي يوحي بالترحاب.
رحلت اميلي شقيقة شارلوت عام 1848، بينما رحلت آن عام 1849. ويقال أن اميلي رحلت عن الحياة وهي مستلقية فوق أريكة بداخل هذه الحجرة. فيمكنك أن تشعر وأنت بداخلها بالفراغ المعبق بإحساس الخسارة والشجن.
وحين استلقت جاسكيل على السرير في الحجرة التي تقع فوق حجرة الكاتبات مباشرة، سمعت صوت أقدام شارلوت. وأخبرها الخادم كيف إنهن، الشقيقات الثلاثة، اعتدن المشي حول المائدة وهن يتحدثن متأخرا في الليل.
"كانت اميلي تمشي قدر استطاعتها، وبعد وفاتها، واظبت شارلوت وآن على هذه العادة. والآن قلبي يتألم لسماع خطوات شارلوت تمشي وحيدة دائما"



ترجمة: أميمة صبحي
عن الجارديان - 2009

Monday, January 21, 2013

حجرة فيرجينيا وولف

قامت فيرجينا وولف وزوجها ليونارد بشراء منزلهم في ساسكس بحي مونك في رودميل بانجلترا عام 1919 وقد كلفهم 700 جنيها وبعد عامين تم بناء حجرة خشبية في حديقة المنزل أسفل مخزن للغلال. للحجرة نافذة كبيرة تطل على منحدرات جبل كابورن. كانت تستخدمها في الكتابة صيفا وقد أحبتها كثيرا رغم إنها لم تكن مثالية للتركيز، فلقد كانت منزعجة دائما من تصنيف ليوناردو للتفاح في المخزن القابع فوق رأسها، أو من صوت أجراس الكنيسة في أدنى الحديقة أو من الضوضاء القادمة إليها من المدرسة المجاورة التي يسببها الأطفال أو من كلبها الذي يجلس تحت قدميها وينظف نفسه ثم يترك بصمات يديه وقدميه على ورقها.
 أما الشتاء فغالبا ما يكون بارد ورطب بقسوة فتضطر للانسحاب داخل البيت وتكف عن الكتابة. في عام 1924 قاموا بتخزين الزيت في الحجرة وبعد عشر سنوات نقلوا كهف الكتابة، كما كانت تطلق عليها، لنهاية الحديقة أسفل شجرة كستناء بجوار سور فناء الكنيسة. كانت تكتب هناك وهي تحتضن لوح خشبي كما اعتاد والدها لزليي ستيفن ان يفعل.
أمام كهف الكتابة قاموا ببناء فناء صغير من القرميد وفي الليالي الصيفية يأتي الضيوف ليشاهدوا مسابقات البولينج المعقودة.
في هذا الكهف كتبت وولف أجزاء من جميع روايتها الرئيسية ابتداءا من "مدام دالاواي" إلى "بين الفصول" والعديد من المقالات والآراء والخطابات. هي الحجرة التي آتاها ليوناردو في يوليو عام 1931 ليخبرها أن رواية "الأمواج" ،التي انتهى للتو من قراءتها، تحفة فنية، وهي الحجرة التي كانت فيها الصراع من اجل الحد من التدخين الذي أخذ شهور ثم امتد لسنوات (من ست أو سبع سجائر لسيجارة واحدة في الصباح عام 1934). والتي كتبت فيها خطاب وداع لزوجها يوم الجمعة، 28 مارس عام 1941، في صباح ربيعي بارد، قبل توجهها لنهر آوس، تاركة أوراقها في فوضى مع بعض المراجعات لآخر مقال لها عن مدام سرال في سلة المهملات وعدد كبير من الورق المطبوع على الآلة الكاتبة، تبدو الحجرة أكثر ترتيبا الآن.



ترجمة: أميمة صبحي
عن الجارديان - 2009

Sunday, January 20, 2013

حجرة أهداف سويف

مع كل كتاب جديد ابدأ في كتابته اجبر نفسي على الانتقال لحجرة جديدة، هذه خامس حجرة في البيت انتقل إليها لتكون مكان عملي.
ليس لكل حجرة نفس الأهداف ولكنها تحقق نفس الوظيفة، حجرتي الحالية بها منضدة انتقلت معنا من شقتنا بميدان دوريست منذ 20 عاما عبارة عن قطعتين مختلفتين وجزء مستقل للفيديو. تتلخص الفكرة في الاحتفاظ بأكبر عدد من الملفات والمراجع في متناول اليد بقدر المستطاع وأقوم بترتيبهم وفقا للموضوع ويزداد عددهم ويكثر في وقت الكتابة.
يوجد كمبيوتر ابل ماك في اليمين والذي اكتب عليه بشكل متواصل منذ عام 1990، في الأعلى يوجد سبورة أدون عليها ملاحظاتي والتي طالما فكرت في ان اخطط  فوقها لروايتي التي اعمل عليها ولكن الذي يحدث غالبا هو إنها تكون مغطاة بالكامل بالتصورات التي تعتمد على اندفاعات المشاعر والأفكار، لذلك، إلى حد ما، افترض إنها نوع من الخرائط العاطفية للكتاب الذي يفتني، يوجد عليه الآن نساء من قدماءالمصريين، سجناء عراقيين، ناصر، والدتي، بجانب بعض الاقتباسات من الاديب الامريكي رايموند شاندلير والكاتب المسرحي الفرنسي جين جينيت.
لطالما وودت ان يشعر أطفالي بالراحة في الحجرة أثناء عملي، في طفولتهم كان يوجد سرائر صغيرة مصنوعة من البلوسترين  ووسائد تحولوا الآن لكرسيين للقراءة مع الإضاءة الخاصة بهما، فالأطفال كبرا و بالكاد يتواجدا هنا بينما يبقى كرسيهما، في بعض الأوقات اجلس على الكرسي الفيكتوري الذي في المنتصف للقراءة وأحيانا اغرق في النوم فوقه، يوجد أريكة تتحول لسرير أمام المكتب ولكنها مليئة بالملفات التي احتاجها لهذا الكتاب لذلك لا أستطيع استخدامها حاليا.
الأقنعة الموجودة فوق المرآة اشتريتها أنا وأولادي من نيو اورليانز عندما كنا في تكساس لمدة أسبوع وابتعدنا لنقضي أربعة أيام رائعين في ماردي جراس.
إنها حجرة نومي أيضا التي تشعرني بتغيرات الزمن فالستائر المغزولة والدولاب القابع في الشمال يذكروني بان لا شئ يبقى على حالة.



ترجمة: أميمة صبحي
عن الجارديان - 2009

Wednesday, January 9, 2013

تألق جين أوستن في متحف مورجان



من منا لا يتمنى أن يكون له قريب مثل العمة جين؟
في بداية عام 1817، العام الذي توفيت فيه بعد معاناة من الورم اللنفاوي، كتبت جين أوستن خطاب لابنة أختها ذات الثمان سنوات.
"ي ت ز ي ز ع - ي س ا ك – ى ن م ت ا – ك ل – م ا ع – د ي ع س"، كل كلمات خطابها كانت تنطق بعكس ما كتبت من بداية أمنياتها لكاسي عام سعيد حتى إمضائها في نهاية الخطاب. الكاتبة هنا، كما في كل مكان، لا تتعطف على قرائها ولكنها تعرف تحديدا من هم وكيف تستطيع إسعادهم. بتخيل طفلة ذات ثمان سنوات من الممكن أن تكون ذات عقلية خاصة مثل خالتها، تحل غموض شفرة الأمنيات السعيدة في مرح وسعادة.
تأتي الصعوبات من خلال تخيل أوستن نفسها. لقد كانت قارئة ماهرة لسلوكيات شخصيات روايتها، فكانت تعرف كل شئ عن نواقصهم وفضائلهم ومع ذلك فلقد كانت غامضة ومبهمة ومن الصعب النفاذ إليها بسهولة. عليك قراءتها كما يفعل شخوصها نحو أصدقائهم الذين يفهمون الإشارات والسلوكيات ولغة الحوار بدقة.
سيستمتع كثيرا من يحاول أن يعرف مدى عمق مخيلتها بزيارة المعرض الجديد المقام في "مكتبة ومتحف مورجان" بمدينة نيويورك تحت عنوان "ذكاء امرأة: حياة وتراث جين أوستن". مثل طريقة تعبير أوستن عن أحداث روايتها، المعرض مفيد بشكل رائع كما انه مختصر، يعرض قيمة تراثها مع شرح واف مطولا بجانب السماح للمشاهد بطرح الملاحظات والأسئلة حول الكاتبة. كما يتم عرض فيلم وثائقي مدته 16 دقيقة بعنوان "جين الرائعة" يتحدث فيه شخصيات معاصرة عن أهميتها، مثل الناقد والفيلسوف الأمريكي كورنيل ويست والكاتبة الأمريكية فران ليبويتز والكاتب والناقد الايرلندي كولم توبين.
 الأمين دكلان كيلي، مدير قسم المخطوطات الأدبية والتاريخية بمورجان بالتعاون مع مساعدته كلارا درموند تمكن من الحصول على امتياز اختيار مخطوطات وخطابات تخص أوستن من مجموعة كبيرة من تراثها ليتم عرضها في المتحف لأول مرة في نصف قرن.
التعديلات الأولى لروايتها هنا، بالطبع بجانب الأعمال التي تأثرت بها أوستن مثل الكاتب والرسام الإنجليزي صامويل ريتشاردسون (1689-1761) والروائي الإنجليزي لورانس سترن (1713-1768) وكتاب رجل القانون والكاتب الاسكتلندي جاميس بوسويل (1740-1795) "حياة جونسون" وهو سيرة الشاعر الإنجليزي صامويل جونسون الذاتية. وكتاب "وصف مدام كيو" للكاتب والرسام الإنجليزي ويليام بليك (1757-1827) وهو العمل الذي يُعتقد انه ساعد أوستن في تخيل شخصية "جان بانيت" في روايتها "تحامل وكبرياء".
ما صنعته أوستن في حياتها حاز على اهتمام الكثير حتى ولو كان ما تبقى منه قليلا ومن المدهش حقا انه عدد هائل. مكتبة والدها كانت قد تبعثرت، وما تبقى من الكتب الخاصة بها اقل من 20 كتابا، منها عدد كبير من أعداد مجلة "  "the Spectatorمكونة مجلد، أما الأربع روايات الذين نشروا أثناء حياتها فلم يتم إيجاد مخطوطاتهم الأصلية وكذلك الروايتان الذين نشروا بعد وفاتها. ولكن متحف مورجان قام بعرض المخطوطة الأصلية الوحيدة الباقية من رواياتها، رواية "السيدة سوزان" رواية مكتوبة على شكل خطابات وبطلتها تتميز بالمكر والنفاق لتحقيق مخططاتها أكثر من ما تخيلته أوستن لشخصياتها يوما ما.
كتبت أوستن ما يقرب حوالي 3000 خطاب خلال حياتها معظمهم إلى أختها كاسندرا التي حرقت الكثير منهم وعدلت الآخرين بعد اعتقاد إنهم من الممكن أن يسيئوا إلى جين أو إلى احد من أفراد أسرتها. بقى فقط حوالي 160 استحوذ مورجان على 51 منهم، أكثر مما يوجد في أي متحف أو مؤسسة أخرى في العالم كما أن الكثير منهم سليم ولكن بعضهم تم تعديله من قبل كاسندرا التي فعلت هذا من منطلق آداب التصرف.
مازالت الخطابات مؤثرة بشكل حيوي حتى ولو واجهنا صعوبة في قراءتها. لابد أن يتخذ متحف مورجان الإجراءات الوقائية للحفاظ عليها. هنا، في آثر يد أوستن يمكنك أن ترى حيويتها وفصاحتها ونظامها، كتابتها الحريصة والنظيفة رغم سرعتها الواضحة من الخط الذي يشعرك في بعض الخطابات ببهجة بليغة.
ارتفاع أسعار الورق لم يمنع أوستن من الكتابة فكانت تكتب فوق صحائف ورقية مفردة وتقوم بطيها نصفين للحصول على أربع صفحات. وعندما يكون لديها الكثير لتكتبه فإنها كانت تملأ كل الفراغات الممكن ملأها ثم تقوم بطي الورق بشكل جانبي كما جرت العادة حينذاك ثم تكتب بشكل عامودي فوق أوراقها. لقد أكملت إحدى الخطابات بطي الجزء العلوي من الورقة ثم الكتابة بين الأسطر.
عالم أوستن الأدبي قريب من عالم الإنسان الشخصي، انه يناقش همومه واحتياجاته الإنسانية حيث يمكنك ملاحظة الطاقة المتدفقة من بين كلماتها لذا فان كتابتها تمثل دراسة خام للحياة اليومية المعاشة.

ترجمة: أميمة صبحي
 عن النيويورك تايم

Tuesday, January 8, 2013

عمر لوركا الذهبي


فيلم العمر الذهبي

  L’Âge d’Or، تعاون آخر بين بنويل ودالي وتم إنتاجه عام 1930 والفيلم مثل ما سبقه يركز على التعديل المزعج والمشاهد العنيفة ليحاكي احداهما الآخر ويعطي بنويل المساحة للتعبير عن نفوره وهوسه بالجنس والتركيب التشريحي للأنثىوفي نفس الوقت انتقاد ميول لوركا الجنسية الشاذة علنا رغم صداقتهما الوثيقة.


Monday, January 7, 2013

الاشتهاء.. عربيا


جوزيف مسعد بعد ادوارد سعيد

"اشتهاء العرب" للكاتب جوزيف مسعد، ذلك المشروع المتميز الذي يغامر في منطقة مجهولة هو بمثابة تتمة لكتاب "الاستشراق" لادوارد سعيد وبحث ميشيل فوكو حول الجنسانية.
بينما يركز مشروع سعيد على انتاج المعرفة في أوروبا عن العرب والمسلمين أثناء القرن التاسع عشر، والروابط المعقدة لهذا المشروع الاستعماري والمسئولية المباشرة لتركيب ذات "الشرقي"، يسعى "اشتهاء العرب" بشكل آخر إلى سد الفجوة في تلك الدراسات الاكاديمية التي حللت التصوير الاستشراقي موضحا تأثير الاستشراق والنعرة العرقية ‘حسنة النية‘ في خطاب الدفاع عن حقوق الإنسان" (صفحة 418) ويلتزم "بتشكيل الإدراك الحسي للعرب حول أنفسهم وحول بعضهم منذ نهضتهم في القرن التاسع عشر (صفحة 48) على نفس القدر من الأهمية، فإن "اشتهاء العرب" يوضح إغفال الدور الذي أداه المشروع الاستعماري في التصورات حول الجنسانية والشهوة في كتاب فوكو المهم والرئيسي "تاريخ الجنسانية".
يعتبر كتاب مسعد "اشتهاء العرب" رحلة فكرية مغامرة تؤرخ لكيفية "تطور تأريخ العرب الحديث والمعاصر ليشير بشكل كبير إلى التبرؤ ليس فقط من عشق الرجال للغلمان ولكن أيضا من كل الرغبات الجنسية التي يتم تعريفها على أنها جزء من ماضي العرب والتي تشجبها أوروبا الآن وأحيانا أخرى تناصرها. صفحة 1.    
وبما أن عنوان الكتاب يوحي بمشروع مسعد المتطلع الذي يفتح طريقين متوازيين. فهو يصف كيف أن الخطاب الثقافي الاستعماري المسيطر على العرب شكل تصوراتهم حول أنفسهم بنتاج عقلاني فطري معاصر. وفي نفس الوقت يلفت الانتباه للممارسات والهويات الجنسية في النصوص العربية المدونة في القرون الوسطي ويوضح كيف إنهم قاموا بالتفكيك والكشف عن مدى أن تلك التصورات الحديثة عن النفس تعتبر نتيجة للنزعة الاستعمارية والامبرالية الثقافية.
لا يقدم مسعد في مجمل الكتاب حجة لتأييد المحلية القوموية غير الغربية أو لتأييد وجهة النظر القائلة بوجود ماض سعيد خال من البؤس والاضطهاد يسبق العنف المعرفي والأخلاقي والسياسي الذي تم ممارسته على غير الغربيين. بالاحرى تتجه نيته إلى الاعتراض على المحلية القوموية الغربية المدعم بالحماسة الروسوية مع نزعة لدفع الناس نحو الاستقلال والحرية، أو محلية قوموية غربية تعتبر دمج العالم بمبادئه في ذات نفسه  تحرر وتقدم، خطوة نحو تعميم مفهوم تطور الإنسان. (صفحة 42)
وكمثال على هذه الممارسات المهيمنة يظهر مسعد الانشغال الكامل بشكل الشخص الماجن في الأدب العربي الكلاسيكي. خلال الخمسينات قام مؤرخو الثقافة العربية المتفاعلين  مع تصورات المستشرق حول الهويات والممارسات الجنسية العربية بتحويل الماجن إلى الصورة المرضية للمنحرف، فتم تحويله مؤخرا إلى شخص "مثلي".
أصبح المثلي فيما بعد الثمانينات ("قلق رئيسي شعبي وسياسي بالنسبة للإسلاميين والمجتمع المثلي بنطاق واسع، وكنتيجة وعلى نحو متزايد فهو قلق بالنسبة للسياسيين ووسائل قمعهم وإنتاجهم"). (صفحة 416)
كي يكشف كيفية حدوث هذه التحولات والتي أدت الى الوصم الاستشراقي لهويات العرب الجنسية ولشهواتهم المثلية أدرج مسعد نفسه ثلاث مهمات:
1) تنظيم الأرشيف العربي المعاصر المكتوب عن الجنس والشهوة النابع من الأعمال المكتوبة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين التي توضح التاريخ والثقافة العربية والإسلامية منذ بزوغ الإسلام.
 2) توضيح مدى تكيف وتشكل الأدوار الفكرية والأدبية مع الافتراضات والتصورات والخطاب الغربي الموجود بالفعل عن الجنسانية و الشهوة في ماضي وحاضر العرب.
 3) شرح كيف أن هذا الأرشيف الغربي يتراوح بين افتراضات المستشرق والنظرية الداروينية وبين حقوق الإنسان والخطاب التنموي،  وانه عامل مؤثر رئيسي في البنية الذاتية للعرب المعاصرين بالإضافة إلى تصورات السلوك الجنسي العربي في التاريخ الفكري والثقافي للعربي المعاصر.
 من خلال رسمه لهذه الخارطة يؤسس مسعد ببراعة علاقة حاسمة بين الدور الغربي والاستعمار في بناء خطاب جديد عن الشهوات والسلوك الجنسي للعرب وكيف تم استدخال هذه الافتراضات بواسطة العرب أنفسهم. ويحلل مثل كيف أن وهم وثقافة خطاب الداروينية والمستشرق الغربي أصبح مفتاح تقييم العرب والحضارة الإسلامية على انها متخلفة وتعيش في عصر الانحطاط بالإضافة إلى اعتبارها فضاء ثقافيا للجنس المتهتك في القرون الوسطى والعصر الحديث المبكر. كما يحلل مثل كيف أن التركيبات الاستعمارية التي كانت في القرن التاسع عشر تجاهلت التصورات الإسلامية والعربية في القرون الوسطى حول الجنسانية والشهوة وتقريبا مكنت الخطاب الإمبراطوري المعاصر ضد العالم العربي كما لو انه موقع الكبت الجنسي. بدأت الأفكار العربية العقلانية ابتداءا من القرن التاسع عشر لإيجاد دليل يتحدى التصورات الغربية. ومع ذلك بدلا من إثارة قضية الافتراضات الأساسية والتصورات العرقية فان الكُتاب العرب استدخلوا وتبنوا وأعادوا إنتاج وعجزوا عن الاعتراض على هذه الأفكار المخترعة حديثا في النظرية الداروينية فيما يتعلق بمفهومي الحضارة والثقافة بالإضافة إلى الآراء الفيكتورية عن "الجنس الفاضح".
وقد تخلل هذا المشروع القادر على الاستيعاب الثقافي والعرقي على حد السواء عدة نماذج  من الكتابة العربية عن الادب كما بينت كتابات معلمين ليبرالين ومؤرخين مارسوا التحرر الجنسي منذ القرن التاسع عشر بالضافة الى أدبيات الوطنيين والقوميين العرب ومفكرين علمانيين راديكاليين ومتدينين واسلاميين كما هو الحال ايضا في أدبيات المحللين النفسيين العرب ونقاد الادب والماركسيين والنسويين والنسويات بجانب الروائيين والشعراء في جل اعمالهم، كما يحاجج مسعد ان المفكريين العرب يحاولون في هذه الادبيات اثبات لكل العرب من ناحية والأوربيين من ناحية أخرى أن العرب شأنهم شأن الأوربيين في المستوى الثقافي والحضاري، بالرغم من أن الأوربيين مصممون على معاملة العرب على إنهم اقل منهم (صفحة 417)
في الستة فصول الذين هم محتوى الكتاب يقدم مسعد تحقيق جديد عن تاريخ تصورات الرغبة الجنسية في مجموعة متنوعة من التاريخ والأدب والثقافة والإنتاج العلمي العربي وقد قدمهم معا لأول مرة لينظم أرشيف معاصر. هذه المادة تتضمن كتب تاريخية وكتب رحلات ومذكرات وكتب طبية واجتماعية ونفسية بجانب كتب عن الدين وروايات وأفلام ومجلات وجرائد وصحف التي تمثل قرنين من الإنتاج الثقافي العربي بواسطة رموز فكرية بارزة مثل رفاعة الطهطاوي، جورجي زيدان، قاسم امين، طه حسين، احمد امين، سلامة موسى، سيد قطب، نوال السعداوي، فاطمة مرنيسي، حسين مروَة، صلاح الدين المنجد، والروائيين وكتاب المسرح الرواد مثل نجيب محفوظ، رئيف خوري، سعد الله ونوس، يوسف ادريس، صنع الله ابراهيم، غادة السمان، محمد شكري، حنان الشيخ، جمال الغيطاني، علاء الأسواني وغيرهم الكثير.
فيعتبر الهدف من هذا الأرشيف المعاصر واجتهاد مسعد وتحليله المتميز لهذه المادة التي كونت بحثه مبتكر وفاتن ومؤثر في آن واحد، والأبعد من ذلك أن أهمية عمل مسعد الأرشيفي تمتد ليس فقط لتسجيل وتوليد جدال حول الرغبة الجنسية التي تم كبتها ولكن الأكثر أهمية، كما يقول هو، "في إشارة نحو مستقبل لم يأت بعد، لاسيما لمقاومة المحاولات من جانب عدد من القوى لتحديد وكتابة مستقبل مسّبقا". صفحة 418
ويعد "اشتهاء العرب" بحث جيد ومصقول بشكل ملحوظ وعينة من الإطلاع مدعمة بوثائق. في الواقع،  يشكل بحث مسعد الجدير في مجموعه الكلي اسلوب بحث متماسك وفعال بدرجة عالية تسمح بتطور متزامن لبحثه بعيد المدى.
في وسط هذا المشروع الممتد بالأساليب التحليلية التي تحاول إيضاح مجالات متعددة للدراسة يثير تساؤل ثقافي: ابداعتها وإنتاجها وقمعها أثناء الاستعمار وبعد الاستعمار في الشرق الأوسط. وككثير من أعمال مسعد الاخرى فان "اشتهاء العرب" يتحرى الفضاء الخطابي والمؤسساتي التي نت خلاله تخترع الثقافة تحت كل من الحكم الاستعماري خلال الممارسات الاستعمارية التي حاولت تشيئ الاختلافات العرقية والدينية، وكذلك من خلال السياسة الثقافية لدول الاستقلال ما بعد الاستعمارية في جهود لتوحيد الأمة والهوية والانتماء القومي. في حدود هذا الإطار بحث مسعد الجدير يوجه نفسه ويتحاور مع عدة تخصصات مثل الدراسات الشرق أوسطية، التاريخ الفكري، الدراسات الثقافية، دراسات ما بعد الاستعمار ودراسات النوع الجنسي. ان المشروع الأرشيفي الضخم في "اشتهاء العرب" يوضح قدرة مسعد المذهلة في تقوية اسلوب البحث عبر تحويله إلى بناءات عابرة للتخصص وأصلية لمقاربة مجالات وتخصصات مختلفة من الدراسات الاكاديمية.
فهذا الكتاب إذن هو مساهمة رئيسية في الكتابات الاكاديمية في تخصصات عدة منها دراسات الشرق الأوسط، الدراسات عن الجنسانية والمثلية، تاريخ العرب الفكري والدراسات الاستشراقية، كما سيكون له تأثير قوي على دراسات الأدب العربي الحديث أيضا. ولذلك لم تكن مفاجأة أن "اشتهاء العرب" حاز على جائزة ليونيل تريللينج للكتاب عام 2008 وهي جائزة مرموقة تقدمها جامعة كولومبيا. ويشير منح الكتاب هذه الجائزة التي تكرم ذكرى الاكاديمي والمثقف ليونيل تريللينج الى الاقرار بدور مسعد الموازي كمثقف يخاطب قاعدة واسعة خارج الاكاديمية من جهة وعلى ان انتاجه الاكاديمي يظهر نفس المستويات المتميزة التي عرفت عن اعمال تريللينج.

ترجمة: أميمة صبحي
كتابة وتعديل: د. سامية محرز
  2009 -نُشر في مجلة وجهات نظر 

Friday, January 4, 2013

فن العلاقات العامة


فن العلاقات العامة في كل الأحوال هو فن فريد من نوعه في العصر الحالي. وهو يعود إلى القرن التاسع عشر عندما كان يقوم ناشري الأخبار بانتقاء المعلومات وتتبعها، فبدأت قوات الصناعة الجماهيرية المتحدة وسكك الحديد والاستهلاك الجماهيري بخلق سوق للجرائد وللشركات وللهيئات لتساعدهم في التعامل مع الجماهير المحلية. بدوره، يزيد عصر وسائل الإعلام تطور صناعة العلاقات العامة تعقيدا، تلك الصناعة التي صممت خصيصا لتشكيل وإدارة تدفق المعلومات والأخبار المتخصصة.
لابد أن تكون الثورة الرقمية مفهومة في مقابل هذه الخلفية التاريخية. فبالرغم من لديها اصل واضح فان صناعة العلاقات العامة تتخذ دورا حاسما وتنافسيا في جمع وتوزيع المعلومات والأخبار في نطاق واسع ليتضمن الأحداث والعمليات والمبادرات التي تهم الجمهور.
وسط الحركة المضطربة الممتدة لأربع وعشرين ساعة في اليوم وسبع أيام في الأسبوع، فان قنوات وسائل الإعلام المتعددة ووسائل الاتصال ومهارات العلاقات العامة لها أهمية قصوى ليس فقط للأعمال الساعية للربح وللصورة الذهنية المكونة عن الأقسام الحكومية ولكن أيضا للمؤسسات الخيرية والمنشآت التجارية والمنظمات الغير حكومية وللأفراد (الناشطون والمشاهير والسياسيون...إلى آخره) الذين يشغلون مناصب بارزة في الحياة العامة.  فالمؤسسات والأفراد الذين في حاجة لبث ودعم رسائلهم عبر مجموعة من منابر وسائل الإعلام لابد لهم من الوصول إلى شكل ما لجهاز العلاقات العامة.
فالغوص إلى أعماق غير متوقعة داخل وسائل الإعلام بدون إرشاد من متخصص علاقات عامة شبيه بذهابك إلى قاعة المحاكمة بدون محامي كما أبدى احد الصحفيين بامتعاض. ولكن هذا ببساطة غير متعلق بإدارة مكانة مرموقة فحسب; فمن وجهة نظر تنظيمية فان العلاقات العامة لها أيضا دور حيوي هام في أنشطة كثيرة على كافة المستويات. فالعلاقات العامة تقدم للعملاء طريق منظم ومتميز وموثوق فيه إلى وسائل الاتصال، وبذلك ضمان الإذعان للوائح المختلفة التي تؤثر على أنشطة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية بشكل فعال.
لقد تزايد الطلب على خدمات العلاقات العامة: قام القطاع البريطاني ككل بتوظيف أكثر من 30.000 من الإعلاميين المحترفيين، مٌنتج ما يزيد على 6 مليارات سنويا. والقطاع يضم مجموعة متنوعة من الشركات، بدءا من شركات الاستشارات إلى وكالات العلاقات العامة العالمية، التي تضم كل شئ من المنتجات الاستهلاكية إلى الأسباب السياسية للحرب.
هذا بجانب قيام المنظمات والوكالات الحكومية عادة بتوظيف فريق العلاقات العامة الخاص بهم في شكل صحفيين ومديرين تنفيذ في وسائل الإعلام. وبرغم ذلك فان هناك الكثير من الآراء التي ترى أن العلاقات العامة قوة سلبية متأصلة كسرطان يدمر قلب الصحافة الحديثة. ولكن في رأينا أن استيعاب كيفية إدارة العمل الداخلي لها شئ أساسي كما معرفة كيفية اتصالهم بالصحفيين.
لدى العلاقات العامة تنوع في أنشطتها بشكل ملحوظ، جدول أعمالها ونتائجها، بجانب وجود سلسلة من الفوائد التي تستطيع تحقيقها. فمن خلالها انتشرت أنشطة الجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية بين العامة. ولكن لا يزال هناك عوائق كثيرة تقف حائلا أمام قيادة العلاقات العامة لجدول الوسائل الإعلامية حتى لو توافرت أسباب عديدة تدعونا للتفاؤل. ونقدم هنا تحليل متوازن يبدأ بالفاعليات الاقتصادية والمكاسب الاجتماعية المرتبطة بأنشطة العلاقات العامة.
أولا، من منظور اقتصادي بحت، بزوغ قطاع السوق المتخصصة المكرسة للاتصالات والعلاقات الإعلامية والتي يتم تدعيمها، في شكل إجمالي، بنظام أكثر كفاءة لمعالجة ونشر المعلومات للمستهلكين، يمكن النظر إلى العلاقات العامة على إنها شكل من أشكال القيادة الفعالة. وبسبب الضغوط التجارية لم يعد في وسع ناشري الأخبار الحفاظ على شبكة واسعة من الأخبار المجمعة.  وتعتبر صناعة العلاقات العامة إلى حد ما ملئ للفراغ الذي خلّفه تعزيز ودمج غرف التحرير ومطالعة الصحف. فجعلت كسر الوقت والمسافة والتكلفة يبدو انسيابيا بين غرف الأخبار والأحداث التي تهم الجمهور المتلقي.
في الواقع، تزداد العلاقات العامة فاعلية في القيام بذلك، حسب البيانات الأخيرة الواردة من وكالة Metrica، ففي عام 2007، على سبيل المثال، تمكنت وكالات العلاقات العامة من الوصول إلى 35% من سكان بريطانيا البالغين بمتوسط 11 مرة كل شهر من خلال التغطية الإعلامية.

ثانيا من منظور اجتماعي، لقد سٌخرت كفاءة وحنكة قطاع العلاقات العامة لجمع وتوزيع مجموعة واسعة من معلومات غير تجارية وتهم المجتمع. كما تعتبر مهارات العلاقات العامة أساسية لترجمة كود الرسالة إلى الجماهير الغير متخصصة. ولكن بالرغم من هذه الفوائد فان زيادة تطور العلاقات العامة يثير تساؤلات عديدة حول مستقبل الصحافة الجادة، فلتغطية الحدث يستعين الصحفيين بقسم العلاقات العامة بدلا من اللجوء إلى الأفراد الذين لهم وتد في قلب الأحداث.
بشكل عملي، الربط بين الصحفيين والعلاقات العامة تكافلي أكثر مما تخيل الإعلاميون حتى الآن. إنها ليست قضية بسيطة لمهارات العلاقات العامة المتدفقة بلا مراجعة بين أيدي الصحفيين المتعطشين بالرغم من حدوث هذا بشكل متزايد.
من ناحية أخرى، هناك تعاون من موظفي العلاقات العامة فيدفعوا بالمعلومات والأخبار بين يدي الصحفيين; لاسيما بالإعلانات والأحداث المهمة التي يتم إطلاقها للمتخصصين والقنوات الإعلامية والجمهور العام. اليوم، تعتمد العملية بشكل كبير على شبكة الانترنت: فالأخبار المتاحة وقوائم البريد الالكتروني وخاصية خلاصة الموقعRSS  ومجموعات الشبكات الاجتماعية تضمن غمر الصحفيين بوابل من تسونامي الكتروني إخباري كل يوم.
وفوق ذلك فان الصعوبات التي تعترض تحقيق العمل الإعلامي تٌعني أن مهارات العلاقات العامة تم الترويج لها بكثافة أو ما هو أسوأ، يمكننا قول إغواء، لتحريك شهية الصحفيين والمحررين. فهذا القطاع بارعا في نسج قصة ما هنا أو هناك لشد انتباه المستهلكين. في مثال حي على ذلك، كلف عميل أمريكي شركة علاقات عامة بمساعدته في بيع مخزون فائض من صناديق تخزين بلاستيكية; فاختلق فريق العلاقات العامة قصة جديدة مرتبطة بالمخاوف السائدة من القنابل الإشعاعية الملوثة تفيد أن فقط الصناديق هي السبيل الوحيد للحماية. وفي اليوم التالي باع العميل المخزون الفائض.
في سياق بحثنا، تحدثنا مع قطاع عريض من الأفراد والمنظمات التي تعتمد على خبرة العلاقات العامة في إدارة احتياجاتهم الإعلامية. فان الرأي العام السائد هو أن العلاقة بين العلاقات العامة والإعلام هي تربة خصبة لإثارة ضجة. فمسئولي العلاقات العامة لديهم المهارة لجمع محتوى إخباري، في حين تبحث غرف الأخبار عن محتوى يمكنه جذب الجماهير وفي نهاية المطاف عائدات الإعلانات.
لقد وجدنا أن الجمعيات الخيرية والمنظمات الغير حكومية، بشكل خاص، تقع تحت ضغط متزايد لجعل رسالتهم مثيرة للجمهور. وفي المقابل، فان الصحفيين يلجأون للعلاقات العامة لتغطية أماكن الحدث. خطورة هذا الإشكال تتمثل في أن جدول وسائل الإعلام يتشكل ويمتلأ بهؤلاء من ذوي المهارات المطلوبة في العلاقات العامة.
ولكن الصحفيون واقعون تحت ضغط متزايد لإنتاج محتوى إخباري اكبر لقطاع عريض من المنابر الإعلامية. افتراضيا، يعني هذا أن الصحفيون ليس لديهم سوى وقت اقل لإجراء البحوث الأصلية أو اكتشاف القضايا التي تمس عمق المجتمع. ليس مفاجأة إذن،  أن يتجه الصحفيون بشكل متزايد إلى العلاقات العامة من اجل تعليق أو تحليل متخصص أو بحث.
الإشادة بمهارات العلاقات العامة في تجميع واستهداف وتعقب المحتوى بدأت تزيد بدرجات متفاوتة. ويظهر ذلك بوضوح خاصة في مجال بث الفيديو حيث يتم إنتاج الكليبات المصورة من قبل شركات علاقات عامة تعرف كيف تقوم بادراك طبيعة برامج الأخبار بانتظام. وزارة الداخلية البريطانية، على سبيل المثال، تقوم بتفويض منتجين تلفزيونين من تلفزيون الأخبار المستقلITN  وإذاعة سكاي البريطانية SKY  لعمل أفلام وثائقية عن القضايا المرتبطة بالشرطة أو الهجرة. كما أن أكبر مثال على هذا الاتجاه هو وكالة العلاقات العامةMedia Link ، التي تنتج أفلام فيديو إخباريةVNRs  للعملاء ثم توزعها داخل غرف الأخبار الإذاعية عبر المملكة المتحدة.  
Media Link  قادرة على زرع أفلام الفيديو الإخبارية الخاصة بهاVNRs  على أساس جودة الإنتاج العالي والعلاقات الوشيكة مع المحررين والمديرين التنفيذيين لنشر الأخبار. فشركة علاقات عامة مثلها ليست فقط ضرورية للأفراد والمنظمات التي تسعى لتغطية إعلامية ايجابية، ولكنها أيضا تعد مصدر ذو قيمة لناشري الأخبار للجمهور المتعطش. بالإضافة إلى أن الإمدادات الإخبارية من العلاقات العامة في وسعها جذب ناشري الأخبار لاستقلالهم واستطاعتهم بوجه عام الاعتماد عليها لتوليد المحتوى الإخباري على خلاف الأيام المضجرة التي تجعلهم عاجزون عن جمع اكبر محتوى ممكنا. ويؤكد لنا رؤساء شركات العلاقات العامة أن غرف التلفزيون الإخبارية كثيرا ما تبحث عن قصص المشاهير الأكثر شعبية خاصة لملأ الفراغ في المواقع الالكترونية الإخبارية التي ظهرت مؤخرا.
ويعتمد التعايش بين الصحفيين وموظفي العلاقات العامة على مصداقية وثقة العلاقات الفردية. فاستبداد العمل المعتمد على الكمبيوتر والذي يربط الصحفيين إلى مكاتبهم ويعرضهم لتدفق مستمر للبيانات الصحفية الغير شخصية، يٌحسن قيمة وتأثير المحتويات والتوصيات الشخصية. وليقوم العمل الاحترافي للعلاقات العامة بإثراء العلاقة مع الصحفيين والمحررين لن يكون فقط بضمان التعرض للمعلومات إنما سيكون أيضا بإضفاء شرعية على القصة. فمقياس نجاحهم مازال يٌقاس بندرة البث والطباعة على العكس من وفرة ذلك على الموقع الالكتروني.
ومازالت الأجندة الإعلامية مدارة بشخصيات بارزة يٌعدوا من النجوم مثل الصحفي الإنجليزي جون هامفريز والصحفي والإعلامي الإنجليزي فيBBC NEWS  اندرو مار والصحفي الإنجليزي جيرمي باكسمان ومازالت ثابتة بالأعمدة الصحفية المؤثرة التي يكتبها أمثال مارتن والف في جريدةFinancial Times  أو سيمون جنكينز في صحيفة Guardian وThe Times. ومن المؤكد أن استمرار تلقي الأخبار من خلال هذه القنوات يستحق احترام أكثر من التغطية الإخبارية الالكترونية الخالصة.
العلاقات التي تقوم عليها العلاقة بين الصحافة والعلاقات العامة عميقة ومتنوعة بسبب التدفق المستمر للمواهب من الصحافة إلى العلاقات العامة. لاسيما، إننا وجدنا أدلة لتأثير هجرة الأدمغة الناجمة عن هجرة المحررين والصحفيين والإعلاميين الناجحين من غرف الأخبار إلى وكالات العلاقات العامة. توظيف الرئيس السابق لإذاعة BBC Newsnight بيتر بارون مؤخرا كرئيس لقسم الاتصالات والشئون العامة في شركة جوجل البريطانية بالتأكيد خير شاهد على هذا التحول. فالصحفيون ذو قيمة لأقسام لعلاقات العامة بالتحديد بسبب خبرتهم في غرف الأخبار ومعرفتهم عن كيفية بناء قصة صحفية.
قياس سرعة أو امتداد هجرة هذه الأدمغة يعد عملية صعبة ولكن بالتأكيد فان الأسباب الاقتصادية واضحة. في رأي مخضرم العلاقات العامة سيمون واكر أن إغواء الرواتب السخية والعلاوات الإضافية يعني أن الصحافة ما هي في نظر البعض إلا خطوة نحو مكانة أخرى مرموقة ذات رواتب مجزية في قسم آخر من أقسام الاتصالات. وفقا للبيانات الحالية من الاتحاد القومي للصحفيين فان تقريبا 50 % من الصحفيين يجني اقل من متوسط الأجور في بريطانيا.
في عام 2005، كان متوسط دخل المراسل المبتدئ والمحرر 20.900 جنيه إسترليني و 39.800 جنيها على التوالي. بالمقارنة، تقدر مجلةPR Week  أن متوسط دخل الصحفي في قسم العلاقات العامة يصل لأكثر من 29.000 جنيها، بينما متوسط الدخل مدير الإداريين التنفيذيين ومدير اللجنة يقترب من 70.000 جنيه إسترليني. لذلك فان التحدي الذي يواجه ناشري الأخبار هو إيجاد أفضل طريقة لاستبقاء المواهب والحفاظ على نشاط غرف الأخبار فيعتبر الاستثمار في الصحفيين المتألقين ومشاهير الإعلاميين ضرورة حتمية هنا.
في النهاية، نحن نرى أن صناعة العلاقات العامة جزءا لا يتجزأ من المشهد الإعلامي، وأداة فعالة في جمع وتوزيع الأخبار للمستهلكين. فالتعايش بين الصحفيين والعلاقات العامة في وسعه تقديم مكاسب اقتصادية واجتماعية فعالة; ولكن هذا أيضا يؤكد على الحاجة إلى المزيد من الشفافية بين الصحفيين في توثيق الأخبار، على الأقل تحديد مجالات التغطية حيث المصالح الخاصة بالعلاقات العامة قد تصطدم مع المصلحة العامة للتقارير الموضوعية.


ترجمة: أميمة صبحي
نُشر في وجهات نظر - 2009

صناعة الاخبار الامريكية


وجدت صناعة الأخبار الأمريكية اليوم نفسها في مفارقة كئيبة. فلم يكن تمويلها يبدو بهذه القتامة يوما. ببعض الحسابات، فان الربع الأول من عام 2009 كان الأسوأ على الإطلاق بالنسبة للجرائد، حيث هبطت المبيعات إلى 2.6 بليون دولار. وفي العام الماضي، انخفض التوزيع لنسبة 4.6 % خلال أيام الأسبوع و 4.8 % في أيام الآحاد. أوائل هذا العام، خفّضت جرائد مثل Detroit Free Press خدمة التوصيل للمنازل إلى ثلاث أيام في الأسبوع فقط، أما Seattle Post-Intelligencer أوقفت النسخ المطبوعة، وRoky Mountain News أغلقت أبوابها تماما. وفي هذا الصيف خسرت الجريدة اليومية The Boston Globe أكثر من 50 مليون دولار في عام واحد ولكنها نجت فقط عندما قام مالكها بتخفيض قاسي للعمالة. واضطرت شركةNew York Times مالكة الجريدة التي تحمل هذا الاسم والمثقلة بالديون إلى اقتراض 250 مليون دولار من أغنى رجل في المكسيك السيد كارلوس سليم حلو بسعر فائدة رديء يصل إلى 14 % في العام.
في وسط كل هذه الكآبة، تشير إحصائية من الشبكة العنكبوتية إلى أن الفائدة المالية في الجرائد نادرا ما وصلت إلى أكثر من ذلك. وفقا لإحدى الاستطلاعات، في عام 2008 كان مريدي شبكة الانترنت يقضوا 53 دقيقة أسبوعيا في تصفح الجرائد الالكترونية صعودا من41 دقيقة عام 2007. ووصل حجم تصفح أعلى خمسين موقع إخباري الكتروني إلى 27 %. وبينما يغطي هذا النمو كافة الأعمار، فان مشروع Pew Project for Excellence in Journalism المعني بتقييم ودراسة الأداء الصحفي تقدم إليه الشباب بصفة خاصة بعد تأسيسه. فجيل قناة MTV قناة الموسيقى الذي يُعرف عنه انه لا مبال بالأخبار، قد أفسح الطريق إلى جيل أوباما المشتاق إليها، ووفقا لصناعة طويلة الأجل كصناعة الأخبار، بالنظر إلى فكرة انقراض مستخدميها، فان تجديد عهد الشباب الأمريكي يقدم بصيص من الأمل.
كيف يمكن لثروة مالية لصناعة تقدر بأكثر من 50 بليون دولار تتراجع بهذا الشكل المفاجئ بينما بقيت منتجاتها ثمينة؟ أكثر التوضيحات مباشرة هو انهيار القاعدة التي اعتمد عليها الاقتصاد لفترة طويلة ألا وهي الإعلانات. فالمتعارف عليه انه يوجد ثلاث أركان رئيسية في إعلانات الصحف وهي إعلانات السيارات والتوظيف والعقارات التي تدهورت وتراجعت بشكل قاس وذلك بسبب شبكة كريجزليست للإعلانات Craigslist، وموقع المزادات eBay، ونجاح Detroit، ودعم إعلانات العقارات مما أدى إلى صفحات إعلانات اقل. حاليا، التوسع المستمر بانتظام في فضاء شبكة الانترنت أدى إلى انهيار معدل الإعلانات الالكترونية ومن غير المتوقع أن يتم معالجة ذلك حتى عندما يقف الاقتصاد بأكمله على قدميه.
وقد امتزج انخفاض عائد الإعلانات بظاهرة أخرى لا يناقشها رؤساء تحرير الصحف: وهي جشعهم الخاص. فسياسة الاستحواذ والدمج التي تسيطر على هذه الصناعة منذ عقود، ساهمت في تدفق المال إلى خارج غرف الأخبار ودخوله في جيوب المساهمين. وتحول أيضا إلى موضع صنع القرار من المواطنين المعتمد عليهم محليا إلى مجلس إدارة الشركات المتحكمون عن بعد. والأكثر ضررا من كل ذلك، فان الجهود لبناء  مؤسسات إعلامية كبرى أرهق الصحف وتركها معبئة بديون هائلة، فالكثير منها يتحدى لشراء مؤسسات الصحف الأخرى. فشرك Tribune الإعلامية أعلنت إفلاسها منذ أكتوبر، مقاومة الانهيار من جراء رفع مالكها رجل الأعمال الأمريكي سام زيل نسبة فائدة شراء شركة Times Mirror، بينما صحف شركة McClatchy التي دفعت أعلى سعر لشراء شركة Knight Ridder قد باعت كل الجرائد لتبعد عنها الدائنين.
عندما نأتي لسوء الإدارة، آنذاك، تبدو صناعة الصحف في نفس خانة شركة Detroit، لا تشبه شركة جنرال موتورز GM، بالرغم من أن الصحف تقدم منتج مازال المستهلكين يعرفون قدره. ولكن كيف يمكن الاستفادة من ذلك؟ بينما تذوي طرق البيزنس القديمة، فالحديث منها يجري اختبارها بشكل عاجل. بإلقاء نظرة على هذا المشهد السوداوي حاولت البحث عن براعم جديدة ولكني تعثرت بشئ أكبر كثيرا.

1.
في ابريل، كانت صحيفة The Christian Science Monitor أول صحيفة توقف عددها اليومي المطبوع وتركز جهودها لموقعها الالكتروني. فبعد خسارتها حوالي 20 مليون دولار في عام 2008، أرادت الصحيفة تقليل التكلفة الضخمة المصاحبة للطباعة والتوزيع اليومي (مازالت تطبع نسخة أسبوعية). يرى بعض المراقبون أن الهجرة الواسعة من الطباعة إلى الصحافة الالكترونية ما هي إلا نذير لهذه الصناعة. ومع ذلك بالنظر إلى الأرقام نجدها تقترح أبعاد أخرى. فبرغم تزايد عدد زوار الجرائد الالكترونية إلا إنهم لا يتمهلوا هناك. وفقا لدراسة احد الباحثين، عن الوقت الذي يقضيه القراء مع صحيفة ما، فإنهم يقضون 96% من وقتهم مع الجريدة المطبوعة بينما بالكاد يقضون 3% على موقعها الالكتروني. بشكل مماثل، بينما صُرف حوالي 38.5 مليار دولار على إعلانات الصحيفة في عام 2008، تم صرف 3 مليار دولار فقط على الموقع الالكتروني. مع أرقام بهذا الشكل، فان الطباعة لن تنتهي قريبا.
بالنسبة إلى الناشرين، المفتاح هو إيجاد وسيلة لزيادة العائد من الطباعة والانترنت. وهنا يحدث تغيير هائل. منذ أواخر التسعينات، عندما تم الإعلان عن أول المواقع الالكترونية على شبكة الانترنت، معظم الصحف قامت بتقديم مداخل غير محدودة لهم. وأعلن صفوة مستخدمي الانترنت أن "إنها إرادة المعلومات أن تكون حرة"، واستمر الناشرون بشكل مفعم بالواجب. ولفترة من الوقت، نتج عن هذه الاستراتيجية زيادة في الأرباح فبينما يزداد حجم زائري المواقع الإخبارية تزداد عائد الإعلانات أيضا. مع هبوط مطرد للإعلانات منذ 2006، ومن ناحية أخرى، فقدت "فلسفة الحرية للجميع" بريقها.
بالإضافة إلى خيبة الأمل فان الاعتراف المتزايد بالجزء الخاص بحرية الوصول إلى شبكة الانترنت قد لعب دورا في إطلاق التوزيع. يقول ويليام دين سينليتون المدير التنفيذي لشركة MediaNews Group رابع اكبر شركة موزعة للصحف في الولايات المتحدة "عندما نتساءل لماذا يتوقف الناس عن شراء الصحف، فبالطبع ستكون الإجابة لأنهم يستطيعون الحصول عليها مجانا من شبكة الانترنت". وقتما يتحدث بيل كيلر المدير التنفيذي لجريدة New York Times والمديرين الآخرون للجمهور، فإنهم يقابلون القراء الذين يتلمسون وسائل الاشتراك بها معبرين عن ذهولهم لقدرتهم على قراءة الصحيفة على شبكة الانترنت مجانا،.
في عام 2002، بدأت جريدة Arkansas Democrat-Gazette الأمريكية بمطالبة القراء بمبلغ مالي مقابل تصفحها الكترونيا. وبينما بلغ عدد الأعضاء المشتركين بها الكترونيا إلى 3.400 عضو فقط، فان توزيع نسخها المطبوعة اليومية وصل إلى حوالي 180.000 نسخة في الوقت الذي تنهار فيه معظم الصحف الأخرى، وطاف مالكها Walter Hussman Jr. في أرجاء الولايات المتحدة ليصف كيف أن الدفع مقابل الاشتراك في صحيفة الكترونية في امكانه إيقاف النزيف.
وقد جذب هذا انتباه الناشرون، في العام الذي تلى هذه الأحداث، توقع كثيرون أن يتم بناء "جدران مالية" –بمعنى الدفع مقابل التصفح- حول مواقعهم الإخبارية. التحدي هو الوصول إلى أعلى درجة مناسبة لذلك. جذب الانتباه أكثر بمزج وسائل هذا الجذب، فيكون هناك جزء مقابل الدفع وجزء آخر مجاني، مع جمع الاشتراكات وفي نفس الوقت الحفاظ على تدفق ثابت للقراء الإلكترونين.
هناك نموذجان أساسيان، فجريدة Financial Times تستخدم واحدا وهو Quota أو كمية محدودة. فزائري موقعها الالكتروني مسموح لهم بقراءة عدد قليل من المقالات المجانية شهريا; ولتقرأ أكثر عليك أن تشترك. وقد أفاد هذا الجريدة فوصلت الاشتراكات إلى 117.000 اشتراك بمبلغ 299 دولار في العام. القراء الأثرياء والمثقفين ينجذبون بشدة إلى المعلنين وبالتالي أيضا إنتاج عائد إعلاني ضخم من الإعلانات.
سياسة جريدة  Wall Street Journalاقل تعقيدا. فزائري موقعها الالكتروني مسموح لهم الوصول مجانيا لكل المقالات السياسية والثقافية وكل المقالات العامة الأخرى. فقط الناشدون الدخول إلى المقالات المتعلقة بإدارة الأعمال والاقتصاد لابد أن يشتركوا مقابل ذلك. قريبا بعد شراء رجل الأعمال الاسترالي الأمريكي روبرت مردوخ لهذه الجريدة في عام 2007، أعلن انه سيسمح بقراءة الصحيفة الالكترونية مجانا بشكل كامل حتى يجذب اكبر عدد من القراء ولكن نظرة إلى هدوء سوق الإعلانات جعلته يعيد التفكير بشكل سريع ويبقى مقالات إدارة الأعمال والاقتصاد وراء "حائط مالي". اليوم، موقع WSJ.com لديه 1.1 مليون مشترك يدفعون من 100 إلى 140 دولار في العام. وبوجود عدد فريد من الزائرين يفوق 12 مليون زائر خلال شهر ابريل بقى الموقع في حركة مستمرة. وقد اعترف مردوخ مؤخرا بأن أرباح موقع الجريدة الالكتروني "ليست منجم ذهب" ثم أضاف "يقرأ الناس الأخبار مجانا من الموقع الالكتروني وهذا ما سيتم تغييره". وفي الأسابيع التالية، قام مديرين تنفيذيين في مجموعة مردوخ News Corporation بالاجتماع مع الناشين الآخرين لتشكيل اتحاد لفرض اشتراكات مالية مقابل تصفح الأخبار الكترونيا.
مثل هذه التحركات تثير غضب المدافعين عن حرية الوصول إلى شبكة الانترنت. من بين هذه الأصوات كانت اريانا هافينجتون، مؤسِسة ورئيسة تحرير الموقع الإخباري والتدويني الشعبي Huffington Post. فلقد أكدت على أن ذلك "حدائق مسورة لا تعمل: فالروابط الاقتصادية لابد أن تبقى". وكدليل على أالعام.ئط المالية بلا فائدة، تشير هافينجتون والآخرون إلى خدمة TimesSelect التي قدمتها جريدة NYT في سبتمبر 2005، والتي كانت عبارة عن وضع أعمدتها الصحفية خلف حائط مالي وللاشتراك السنوي يدفع القارئ 49.95 دولار في العام. وبعد عامين، قلقت Times حول انخفاض الحركة على موقعها الالكتروني فأعادت سياسية الأخبار المجانية مرة أخرى.
ومن ناحية أخرى، جذب هذا أكثر من 220.000 مشترك. إذا وضعت جريدة Times محتوى اكبر أو أكثر اختلافا خلف هذا الحائط المالي ووجدت المدخل الصحيح للرسوم، فإنها بلا شك كانت ستجني أكثر كثيرا من الآن. لشهور عدة، انكب المديرون التنفيذيون للجريدة على دراسة طرق متعددة لفرض الرسوم، وقرروا تقديم واحدة أو أكثر في فصل الخريف.
وبالطبع سيترتب الكثير على ما قرروه. بعيدا عن كونها من أعلى الصحف المحلية، فلقد كرست NYT ما هو أكثر من المال والقوة العاملة لموقعها الالكتروني أكثر من أي صحيفة أخرى. ففي مكتبها بوسط المدينة عمل الفريق الخاص بالحاسب الآلي والتكنولوجيا بحماس متزايد ليجمع الممارسات الصحفية التقليدية مع نشاط الانترنت المتعدد الأشكال. ويظهر تميزهم بوضوح في تنوع الفيديو وتعدد الأشكال والرسوم البيانية وعروض الشرائح والتسلسل الزمني في NYTimes.com. الآن، بالإضافة إلى قراءة مقالات نيكولاس كريستوف التي تصف سوء التغذية بقارة أفريقيا، يمكنك مشاهدة فيديو له يقوم فيه بمحادثة بعض الضحايا. وبمشاهدة صورة مؤثرة تحت عنوان "جرحى الحرب"، يمكنك الضغط على الماوس لرؤية صور لجنود قُتلوا في العراق وأفغانستان مع لمحة صغيرة عن كل منهم. فخدمة " "Word trainتقدم لقطة فوتوغرافية عن ماذا يدور في عقول القراء بواسطة عرض آرائهم التي يرسلونها في نماذج متنوعة الأحجام استنادا إلى تكرار ملاحظاتهم.
كما يوجد مدونات كثيرة، بيئية كمدونة اندرو رفكين واقتصادية مثل بول كرجمان ومدونات أخرى حرة الفكر مثل ايرول موريس، بجانب مميزات أخرى لطيفة مثل "One in 8 Million" وهو عبارة عن عرض صوتي بالشرائح عن ساكني نيويورك العاديين و"The Puppy Diaries" الذي يدور حول تأملات رئيسة تحرير NYT جيل ابرامسون حول كلبها الجديد.
وفقا لنظام عُرف طويلا باسم "Gray Lady" فانه مزيج مبهر. ولكن هل يعد هذا النظام هو الأفضل؟ يقول ليونل باربار، رئيس تحرير Financial Times:
     
          الشرط الأساسي لتأسيس نموذج "الدفع مقابل المحتوى" هو المحتوى الجيد الذي
 يستحق القراءة. فمنالأمور المهمة بقوة في صناعة الأخبار الحديثة أن تعرف بوضوح
 ما هي نقاط قوتك. فإذا كنت تأمل في أن تكون كل شئ لكل شخص ولكن مصادرك
 تُنشر بشكل ضعيف، فأنت في مشكلة حقيقية.

ثم أضاف "نقاط قوة FT هي البيزنس والمالية، أما عن NYT فهي شبكتها العالمية ومقالتها العميقة والمبتكرة. وبينما ذكر بعض الملاحظين أن جريدتي FT & WSJ يمكنهم بشكل منقطع النظير تطبيق سياسة الدفع مقابل المحتوى لأهمية المعلومات التي يقدمونها لرجال الأعمال، يرى باربار أن الجودة العالية والاهتمامات العالمية لجريدة NYT تؤهلها لهذه السياسة أيضا.
(والجدير بالذكر أن جريدة Financial Times تقدم عدد من الخدمات المتخصصة مثل "China Confidential" التي تقدم معلومات ذات قيمة عالية إلى القراء المستعدون لدفع مقابل مادي. وهذا يشير إلى مصدر ربحي آخر متوفر لمؤسسات الأخبار.)
موقع Times الالكتروني يعرض محتوى أكثر جودة. ففي كثير من الأحيان، بالرغم، من انه يبدو ممتلأ بالأدوات والمميزات والألياف البصرية إلا انه تكنولوجياً، كتصنيفها لنفسها، تبدو الجريدة اقل مهارة في إدراك قوة الانترنت في تركيز الأضواء على القضايا وتحريك المناقشات. هذا الصيف، على سبيل المثال، ألق عدد من المدونات الضوء على رجل الأعمال الأمريكي جولدمان ساكس. فكتب الصحفي مات تايبي بمجلة Rolling Stone مجموعة مقالات مثيرة بعنوان ""The Great American Bubble Machine حول قوة بنك The Goldman Sachs Group السياسية والمالية. في المناسبات القليلة التي أحاطت نيويورك تايمز علما بهذه القصة كانت مع بازدراء ملوكي. تخيل الإثارة التي كان من الممكن خلقها إذا قامت الجريدة بنشر مقال تحت عنوان "Is Goldman Sachs a Bubble Machine?" فعلى المدى الطويل مثل هذه السمات من شأنها، كما اعتقد، تجذب القراء أكثر من Word Trains أو Puppy Diaries.
ومع ذلك، تبدو أن جريدة NYTimes على الأرجح ستستطيع جذب العديد من القراء حتى بعد بدأها سياسة "الدفع مقابل المحتوى". في ضوء مكانتها الفربهم Losجرائد الصحافة الأمريكية، فهو موثوق بها لتتحمل الأزمات الحالية. ونفس الاعتقاد ساري على الجرائد الأمريكية القومية المقروءة الأخرى مثل Wall Street Journal و Washington Post. (من الممكن أن تلحق بهم  Los Angeles Times إذا استطاعت أن تجد وسائل لتستغل نقاط قوتها وهي تغطية صناعة الترفيه.) العديد من الجرائد القومية لديهم سماتهم الخاصة، إنهم المصدر الوحيد للأخبار في المدينة، كما أن الكثير منهم في ازدهار. ولكن الصحف اليومية الكبرى التي تصدر في العاصمة مثل Boston Globe وBaltimore Sun وMiami Herald التي تتنافس مع كلا من العدد الهائل للموظفين ودائرة المنافسة الدائمة الحركة، فإنهم في خطر، والقلق يساورهم حول توقف واحدة منهم أو أكثر مع السنوات القادمة.
مثل هذا التطور سيكون كارثيا للجمهور. وفقا لجامعي وصانعي المعلومات فان الجرائد ليس لها نظير، وان النقص الذي يعانوه يعمل بشكل خطير على تآكل قدرتهم على القيام بدورهم التنويري وعرض المعلومات. في نفس الوقت، فان صعوبة هذه الصناعة هي بمثابة محفز. وهناك مجموعة قلقة من رجال الأعمال والمبتكرين والمثاليين الذين يستفيدوا من الاشتراكات المنخفضة لتصفح الانترنت قد بدأت في الظهور، مختبرين طرق جديدة لاستقبال الأخبار. ولكن هل نجح أيا منها؟

2.
حتى الآن، الاهتمام الذي يُولى لمشاريع جديدة على الشبكة العالمية ركز بشكل رئيسي على الجزء الخاص بالربح المادي. فمعظم هذه المواقع الالكترونية تسعى بقوة وراء نفس الاستراتيجية وهي جذب اكبر عدد من المستخدمين بشكل كاف لجذب الإعلانات. والعديد يتعقب نفس السوق – الخمس وعشرين مليون أو الأثرياء والمثقفين الأمريكيين وهم تقريبا نفس جمهور NPR الراديو العام المحلي. ثلاثة من هذه المشاريع تبدو على وجه الخصوص صانعة النجاح. واحدا منهم المجلة الالكترونية Slate التي تم انشأوها عام 1996 بمساعدة شركة Microsoft، وقد عانت في البداية ولكن منذ أن قامت شركة Washington Post بشرائها في عام 2004 بدأت بشكل عام تحقق 95 % من أرباح الإعلانات. وتدين Slate بنجاحها إلى كلا من تمويل WP وصيغتها الصحفية التي تعتمد بذكاء على مقالات مختلفة بدون مقابل مادي على موقعها الالكتروني ويتم الترويج لها تحت عناوين مثيرة وجذابة على سبيل المثال: أين هي العصابات اليهودية من الأمس؟، أو، ماذا يمكننا أن نتعلم عن الاحترام من شخصيات مثلBernie Madoff  وMeyer Lansky؟. وفي محاولة لتكرار نجاح Slate، أنشأت Post في عام 2008 The Slate Group ومنذ ذلك الوقت قامت بتقديم العديد من المجلات مثل The Root المُعنية بالشئون الأفريقية الأمريكية، The Big Money المهتمة بشئون ادراة الأعمال، وForeignPolicy.com.
القوة الالكترونية لمجلة Foreign Policy تكمن بشكل أو بآخر في الوصول المجاني الأكثر إثارة لكلا من المقالات المؤثرة في المجلة وسجل المناقشات، وبالطبع في المدونات الفكرية التي يكتبها شخصيات متعددة مثل المراسل العسكري توماس ريكس، الباحث السياسي بجامعة هارفارد وستيفن والت احد مؤلفي كتاب The Israel Lobby and US Foreign Policy، ومارك لينش المختص بشئون الشرق الأوسط بجامعة جورج واشنطن. كما إنها أيضا تقدم مقالات مبتكرة في شكل مدونة بعنوان The Cable، وتقارير المراسلة لورا روزن Behind-the-scenes المُعنية بالسياسية الأمريكية الخارجية. (في أغسطس الماضي أُعلن أن لورا روزن استقالت من عملها في ForeignPolicy.com لتعمل في جريدة Politico). النموذج الجيد، وفقا لرئيسة التحرير سوزان جلاسر، هو جريدة Roll Call، التي تقدم للمعلنين منذ مدة وسائل جذب فعالة للوصول لجمهور واشنطن المنتقي. وتقول جلاسر إنها متفائلة ولكنها تعترف أن، حتى الآن، "ليس لدينا الوسائل التي تفك الشفرة".
ويبدو أن جريدة Politico لديها مقوماتها أيضا. فبعد حوالي ثلاث سنوات جذبت الجريدة تقريبا حوالي 3.2 مليون زائر في الشهر. وقال مؤسسيها إنها في ازدهار اقتصادي وان منذ أن اشترتها شركة Allbritton Communications وهي شركة خاصة ذات تكتل تلفزيوني ثري. فان مائة من العاملين بها يتلقوا تدريبهم في بناية مكتب Allbritton  بمقاطعة ألنجتون بولاية فرجينيا، وأصبح من الصعب فصل رأس مال Politico عن الشركة الام. وبالاعتماد الكلي على عائدات الإعلانات تحصل الجريدة على الكثير من نسختها المطبوعة التي تُنشر خمس مرات في الأسبوع عندما تبدأ جلسات الكونجرس وقد وصل توزيعها الذي يتم بدون مقابل إلى 32.000. بمعنى آخر، أن جريدة Politico واحدة من قصص المواقع الالكترونية الناجحة التي مازالت بدرجة لا يُستهان بها تعتمد على الطباعة.
الموقع الالكتروني الذي يجني أرباحا بدون مساعدة الطباعة أو راعي رسمي هو Talking Points Memo. في خلال تسع سنوات، قام جوش مارشال بتحويلها من مدونة خاصة برجل واحد إلى جريدة سياسية صاخبة يزورها بشكل فريد 1.5 مليون زائر في الشهر. وهي تعتمد بشكل رئيسي على الإعلانات، بدءا من إعلانات الشركة الإعلامية Comcast حتى شركات القمصان الشبابية، ومزيج من ارتفاع محدود ومشاركة القراء قد مكنوها من الازدهار. خلال الصيف وافق مارشال لأول مرة على قبول حوالة من خارج العاصمة – ما بين 500.000 دولار و 1 مليون دولار من مجموعة مستثمرين من ضمنهم مؤسس شركة Netscape مارك اندريسن. ومع هذا المبلغ المالي خطط لتوسيع موقعه الالكتروني من 11 موظف كانوا يعملوا لديه حينذاك إلى حوالي 20، مع احتمال إضافة المزيد إذا زادت حركة الزائرين والعائدات بشكلٍ كاف.
التحدي الذي واجهته TPM كان واضحا من تجارب صحيفة اصغر وأكثر جاذبية. وهي The Huffington Post التي تبدو في حالة حركة دائمة. ففي أربع أعوام فقط، جذبت العديد من المدونين الذين يعدون بالآلاف، وسبعة من موظفي Washington ووحدة تحقيق ومطبوعات محلية في شيكاغو ونيويورك. وقد تظاهرت الشركة بالشعور بالخجل من الإفصاح عن أرباحها مكتفية بقول أن الأمر مربح في بعض الأشهر أما البعض الآخر فهو بدون أرباح. في يونيو أعلنت الشركة تغيير مديرتها التنفيذية بيتسي مورجان التي بقت في منصبها لعاميين كامليين ووظفت بدلا منها ايريك هيبيو وهو واحدا من مستثمريها المبتكرين. وقد قالت أريانا افينجتون مالكة الصحيفة أن سبب هذه التغييرات هي أن حركة الزائرين لم تعد كافية على الموقع بالرغم من أن العائدات آخذة في الازدهار، فشعرنا أن الشركة في حاجة إلى جذب ما هو أكثر من مجرد عرض الإعلانات، فالتحدي يواجه الجميع.
من كل تجارب الربح المادي، كانت التجربة الأكثر إثارة، ربما تكون Global Post. والتي بدأت في يناير بميزانية مبدئية اقتربت من 10 مليون دولار ساهم بها مستثمرين قطاع خاص، هذا الموقع لديه بالفعل 74 مراسل بدوام جزئي في 50 دولة. يقول مؤسس جلوبال بوست ورئيس تحريرها تشارلز سينوت، المراسل السابق لجريدة Boston Globe، "أن الفراغ الناجم عن تخفيض التقارير الأجنبية قد خلق فرصة، نحن نريد أن نكون واحد من المواقع الالكترونية التي يذهب إليها الأمريكيون بانتظام عندما يفكرون في الأحداث العالمية". ففي يونيو، قضى سينوت مع مصور فوتوغرافي تقريبا ثلاث أسابيع في أفغانستان وقدموا مزيج من المقالات والرسائل والفيديو وعروض الشرائح حول الحرب الأمريكية ضد طلبان. (حتى الآن، يبدو الموقع يميل إلى التقارير المباشرة أكثر من التحليل العميق ويطرح أسئلة مثل "من هم طالبان؟" بدلا من "هل يجب علينا أن نكون في أفغانستان؟".
ولكن كل هذه الخدمات ليست زهيدة الثمن; فبالإضافة إلى دفع راتب لمراسليها يصل إلى 1.000 دولار شهريا مقابل أربع مقالات، فهي لديها طقم عمل بدوام كامل مكون من 16 موظف في بوسطن. وللمساعدة في دفع هذه الرواتب، قامت جلوبال بوست بمحاولة توفير ثلاث موارد للعائدات: الإعلانات، الاشتراكات، النقابة. وهذه الأخيرة تبدو أكثر رجاءا: فلقد قامت النقابة بالفعل بإمضاء عقود مع عشر جرائد لطبع مقالاتهم من ضمنهم The Pittsburgh Post-Gazzette وThe Newark Star-Ledger. خلال مكالمة تليفونية طويلة، بدا سينوت في أوج حيويته وهو يصف تجربته وإمكانية تجديد التقارير الأجنبية بشكل جوهري، وتقديمه لتقارير عالمية كجزء صغير من نسبة كلفته بها وكالة أسوشيتد برس AP.
ووفقا لما سمعته فاني لم استطع المساعدة ولكني أفكر في الكم الذي يحتاجه ليوفر لمشروعه الاكتفاء الذاتي ويجعلهم يتساءلون عن من أين آتى مشروع رائع كهذا. ونفس الشئ مع قسم الإعلانات ككل. فكل هذه المشروعات المؤثرة، تبدو بجذور اقتصادية هشة، ومواجهتي لهم تركت فيّ شعور بالكآبة من جراء العقبات الذي يواجهونها.

3.
استعلامي عن هذا العالم اللاربحي، بالمقارنة، آثار في نفسي الشجاعة. فهنا وجدت كل أنواع الأنشطة المثيرة. فلقد اكتشفت أن العديد منها باقي في نشاط بواسطة مقالات المفكرين الغير منضمين للجريدة Op-Ed التي ظهرت في نيويورك تايمز بيناير الماضي. ويناقش دايفيد سونسين مدير الاستثمار التنفيذي لفريق ادراة التمويل لجامعة يال، ومايكل سكميدت المحلل المالي هناك أن في ضوء صراعات الصحف لابد أن يحولوا أنفسهم لمؤسسات غير هادفة للربح مثل الجامعات. كما كتبوا "فالتمويلات في وسعها أن تساهم في تقدم استقلالية الصحف كما تحميها من ضربات الاقتصاد الذي يدمرها حاليا". بأخذ NYTimes كمثال، فإنهم يُقدرون الأمر كالآتي، حجرة الأخبار تكلف أكثر من 200 مليون دولار في العام لإدارتها بجانب بعض النفقات الإضافية، إذاً ستحتاج الجريدة لتمويل يصل لحوالي 5 مليار دولار. وأعلنوا في نهاية نقاشهم "فالخيرين المستنيرين لابد أن يتحركوا الآن أو سنشاهد عنصر حيوي في الديمقراطية الأمريكية يتلاشى بلا فائدة".
 ويُعرف سونسين بين قطاع عريض بأنه خبير في استثمار الجامعة، وقد تسبب مقاله في عاصفة من التأملات. وقام ستيف كول في مدونته في The New Yorker بالتحذير أن جريدة مثل واشنطن بوست "الذي كان يعمل بها سابقا" قد تحتاج إلى تمويل يصل إلى 2 مليار دولار مناشدا رجل الأعمال الأمريكي وارن بافيت أن يحرر شيك بهذا المبلغ إلى الجريدة. في واشنطن، قدم السناتور بنجامين كاردين مشروع Newspaper Revitalization Act أو قانون إعادة الحياة للجرائد، مخططا لجعل هذا المشروع أكثر سهولة للجرائد لتأهيلها لتكون غير هادفة للربح تحت إشراف قانون فيدرالي. وقد دعا السناتور جون كيري لعقد اجتماع في مجلس الشيوخ لمناقشة كيفية الحفاظ على الصحف الأمريكية.
بالتأكيد تخيل مدى حماية التايمز وواشنطن بوست عن طريق تمويل ضخم يبعث على الراحة. ولكن كل هذا للأسف غير واقعي. فتحويل هذه الجرائد إلى لاربحية سيتطلب من عائلة Sulzberger التي تنشر NYTimes وعائلة Graham ناشري WP أن يتبرعوا عن طيب خاطر بثروتهم. حتى إذا تم الانتقال إلى مرحلة اللاربحية، فمن أين ستأتي كل هذه المليارات؟ إنها ببساطة ليست هناك. في ضوء الانخفاض الملحوظ في قيمة التمويل الخاص بجامعة يال، يبدو اقتراح سوسين غير منطقي على الإطلاق.
وقد أخبرني جون تورنتون وهو رأس مالي مغامر من أوستن ورجال أعمال مهتم بصناعة الأخبار بتسليط الضوء على صراعات الصناعة في مقال له بعنوان sort of rang the bell. ففي العام الماضي، بحث تورنتون عن فرص للاستثمار في صناعة الأخبار ولكنه لم يجد. فحقبة الأخبار التجارية الذهبية التي امتدت من الستينات إلى عام 2005 والتي اعتمدت على التقاء الكثافة السكانية المدوية مع الانفجار الإعلاني، يبدو أنها ذهبت للأبد. بينما الصحافة في وضع قلق، جاء هو مؤمنا أن "انك لن تستطيع أن ترضي الرب والشيطان في آن واحد". وعندما بُغت بالنقص الحاد في عدد الصحفيين الذين يقومون بتغطية الأحداث السياسية لولاية تكساس، بدأ تورنتون بزيادة تمويله للخدمات الإخبارية الالكترونية الغير هادفة للربح. ولكنه لم يحصل على الكثير حتى بدأت مقالات نيويورك تايمز في الظهور.
في الأشهر التي تلت، استطاع أن يرفع معدل التمويل إلى أكثر من 1 مليون دولار من أصدقاؤه الأثرياء بجانب 1 مليون دولار آخر أضافه هو من حسابه الخاص في خطوة تهدف إلى الوصول لحوالي 4 مليون دولار. وخططت جريدة  Texas Tribune لبدء عدة تجديدات في نوفمبر. لقد قامت بالفعل بتوظيف بعض كبار الصحفيين بالولاية من ضمنهم ايفان سميث المدير السابق المحترم لمجلة Texas Monthly. ومنذ ذلك الحين أصبح تورنتون بمثابة مُبشر للأخبار التجارية الغير هادفة للربح، محفزا أصدقاؤه المستنيرين للاستثمار فيها لان ذلك سيفيدهم بالتأكيد في زيادة في أموالهم المُستثمرة.
وشاركه في هذا الحماس سكوت لويس المدير التنفيذي لجريدة Voice of San Diego الالكترونية الغير هادفة للربح. التي تأسست في فبراير عام 2005 بواسطة باز وليي، الرأس مالي المغامر الذي تقاعد مع تخفيض العمالة الذي حدث في  San Diego Union-Tribune بعد اندماج جريدة سان دييجو مع Evening Tribune في عام 1992. هذا الموقع الالكتروني الغير هادف للربح يقدم يوميا كمية من الأخبار والتحليلات المحلية والإقليمية. تسع من صحفيها المحترفين كانوا أول من نشروا العديد من التحقيقات والقصص الصحفية من ضمنها حلقة العلاوات السرية الموجودة في شركة تنمية  سان دييجو. وكل ذلك يتم في حدود ميزانية سنوية لا تتعدى 1 مليون دولار. يقول لويس الذي يدون مقالات سياسية عامة بجانب إدارته للموقع "إذا استطعنا الحصول على 2 أو 3 مليون سنقوم بأعمال رائعة". ويعتقد أن هذا ممكن تحقيقه بسهولة. ويقول "أنا متفائل من الناحية الاقتصادية أن هذا التقرير يمكنه إنقاذ بل والمساعدة في ازدهار النماذج الغير هادفة للربح". حاليا يحصل الموقع على 40 % من أرباحه من مؤسسات مثل Knight Foundation وSan Diego Foundation، و30 % من متبرعين كبار والباقية من راعيين متحدين ومتبرعين صغار تتراوح تبرعاتهم ما بين 50 إلى 100 دولار. ويضيف لويس أن إمكانية أن يدفع المتبرعون الصغار تبرعات أكثر كبيرة، فنحن الآن على اتصال مع العديد من الناس حول البلاد الذين يريدون فعل ذلك.
في العاميين الأخيرين، ظهرت مواقع الكترونية غير هادفة للربح في Twin Cities، وهما مينيابولس وسانت بول، بولاية مينيسوتا وفي New Haven بولاية كونيتيكت وSeattle بولاية واشنطن وSt. Louis بولاية ميسوري وChicago بولاية الينوى. وقد قادت أيضا روح المبادرة تدفق الاهتمام بالتقارير التحقيقية في شكل لم يُسبق له مثيل منذ فضيحة ووترجيت. والمعيار هنا هو Propublica المؤسسة الغير هادفة للربح بمنهاتن في نيويورك، وفريقها من المحققين القوميين المدعومين من نادي مكون من أثرياء المتبرعين. ولكن هناك أيضا تكاثر في الطلائع الصغيرة الغير هادفة للربح مثل Investigative West الموجودة خارج سياتل، Watchdog Center بسان دييجو،Wisconsin Center  للتحقيقات الصحفية، كلهم يلتمسوا عرض فساد الموظفين ومخالفات الشركات وحالات استغلال العمال.
التقرير التحقيقي أيضا أشعل الحماسة إلى مدارس الصحافة القومية، مع معاهد مهتمة بالتدريس والإشراف على نفس خطى الجامعات الأمريكية في راندايس وبوسطن وكولومبيا. تقول شيلا كورونيل التي تدير Columbia Center "هذا العام تقدم 120 طالب للحصول على الخمسة عشر مكانا في فصلها الدراسي وهذا ضعف العدد الذي تقدم العام الماضي وهذا تقدم تنسبه هي إلى الموجة الجديدة من المثالية الموجودة بين الشباب الأمريكي.
وفي بداية يوليو، اجتمع أكثر من اثني عشر مندوب عن هذه المراكز في مركز Pocantico الذي تملكه عائلة روكفيللير المهتمة بصناعة الأخبار بولاية نيويورك، ليناقشوا وسائل تعاونهم المتاحة. وفي قرار جماعي ألزموا أنفسهم بتأسيس "للمرة الأولى، شبكة أخبار تحقيقية Investigative News Network مكونة من ناشرين غير هادفين للربح في كل أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية"، مع مهمة "رعاية الجودة المرتفعة للصحافة التحقيقية والاحتفاظ بهؤلاء في سلطة مسئولة في كل المستويات المحلية والقومية والدولية". بالمتابعة، هناك الآن لجان فرعية تقوم بدراسة وسائل رعاية التعاون في تولي أمر التحقيقات، وعرض الأعمال على صفحة الانترنت والأكثر أهمية من ذلك توفير التمويل. ويقول تشارلز لويس مؤسس Center for Public Integrity ومهندس الشبكة الجديدة "لقد عملت في مجال التقارير التحقيقية لمدة 30 عام ولقد كانت هذه المدة من أكثر الأوقات إثارة التي عشتها على الإطلاق".
ويقول جويل كرامر مؤسس موقع MinnPost الاجتماعي الالكتروني الذي بدأ من Twin Cities والذي أكد على كيفية أن يكون التحدي سبب في صنع شبكة الكترونية للأخبار "هناك مسبح كبير من المال في العالم اللاربحي ونحن نحتاج أن نعرف إذا كان في مقدرتنا أن نتحرك خلاله فحتى على المواقع الغير هادفة للربح عليك أن تجد طرق لتوفير المال الكافي لتغطية التكاليف". والى الآن يعتمد تمويل الصحافة الغير هادفة للربح بشكل أساسي على مؤسسة Knight Foundation تحت ادراة الناشر السابق لجريدة Miami Herald البرتو ابرجين بجانب الدعم من مركز Carnegie وشركة Ford ومؤسسة macArthur ومركز المجتمع المفتوح Open Society Institution الذي يملكه المستثمر جورج سوروس. يقول بنجامين شات جي ار عن مؤسسة Rockefeller Brothers Fund التي استضافت هذا الاجتماع أن المزيد من المؤسسات تبدي اهتماما، ولكنه يحذر:

     إنهم لا يرون أنفسهم في أعمال المساعدة. فهم مثل شركات الرأسمالية،
يحبون أن يبدأوا الأشياء ولكن بعد ذلك يريدونهم وكأنهم ملكهم. 
على الأقل نسبة كبيرة من الدخل لابد أن تأتي
 من مصادر أخرى.

عندما يصل الأمر إلى التماس المصادر، تتجه كل الرؤوس إلى مؤسسة واحدة وهي:National Public Radio، ففي الوقت الذي كانت ليس فقط الصحف التي تعاني بل أيضا الإذاعات، كانت هذه المنظمة في ازدهار. ففي عام 2008، زاد الجمهور الأسبوعي المستمع لعرضها اليومي للأخبار بنسبة 9%، مسجلا 20.9 مليون مستمع. وان لم تكن أيضا بمنأى عن الانكماش الاقتصادي، ففي ديسمبر 2008، تخلصت المنظمة من 64 منصب أو 7% من قوتها العاملة وفي ابريل تخلت عن 13 منصب آخر وأعطت خمس أيام أجازة لباقي طاقم العمل، ولكنها مازلت قوية لتحافظ على 17 مكتب لها حول العالم و19 داخل الولايات المتحدة. للاحتفاظ بهذا الاكتفاء الذاتي فهي تستغل العديد من المصادر المالية: تمويلها ومؤسساتها واكتتابها في الشركات ومستحقاتها والرسوم المالية الخاصة بها مصدرهم أكثر من 860 عضو في محطاتها الإذاعية وكلهم غير تجاريين. فهذه المصادر كبيرة وتوفر حوالي 43% من التكاليف الكلية ومعظمها تأتي من المستمعين. باختصار، يتم تدعيم مؤسسة NPR بشكل رئيسي من المستهلكين الفعليين الذين يستخدمون خدماتها، وذلك يمثل فائدة كبيرة بالطبع في وقت نعاني فيه من "أنيميا الإعلانات".
وتخطط المؤسسة لحملة دعائية متطلعة لتعزيز القدرة التقريرية لأعضاء محطاتها. وتقول فيفيان سكيللر مديرتها التنفيذية "نحن نحاول أن نزيد من التمويل لإفادة ليس فقط إذاعتنا ولكن الصحافة في محطات الراديو المحلية لرفع مستوى عمل التقارير في كلا من الراديو والانترنت ولنوسع التغطية التي لا تستطيع الصحف المحلية الوصول إليها". وأضافت أخيرا "نتمنى NPR أن يتم الربط بين هذه الإذاعات في شبكة محلية مرتكزة على موقعنا الالكتروني، بالطبع أن إنجاز ذلك سيكون مكلف للغاية فعملية صناعة الأخبار في العديد من الإذاعات العامة بدائية، ولكنها ليست تكلفة مرتفعة كما إذا لو أننا مازلنا في طور البدايات، فنحن قطعا لن نحتاج إلى طوب واسمنت".
بالاستماع إلى سكيللر بدأت في تصور نوع جديد من النظام الإخباري في الولايات المتحدة الأمريكية، فوضع جذر واحد في إذاعات الراديو المحلية سيصل تقريبا إلى داخل كل مدينة وبلدة في أمريكا. فإذا كان قدرة هذه المحطات على جمع الأخبار فعليا قوية، فبإمكانهم ملأ الفراغات في الأخبار المحلية التي تختصرها الصحف اليومية. ويمكنهم أيضا توفير نقطة التقاء تعاونية بين كل هذه المواقع الالكترونية الابتكارية الهادفة والغير هادفة للربح.
هذه المواقع والإذاعات بدورها يمكنها التعاون مع الصحف اليومية. لا يمكن بالطبع تبديل وظائف جامعي المعلومات لهذه الصحف ولكن عندما تتقلص قوتها العاملة يمكنها تلقي التعزيزات القّيّمة من جراء التعاون مع المواقع الإخبارية الالكترونية الغير ربحية. كما يمكن لهذه الشبكة أن توفر مقر لكل هؤلاء المدونين المغامرين، للاستفادة من براعتهم في التحريض وإثارة السخط والهجوم بجانب أن هذا سيساعد في إيجاد مكان للمؤسسات الغير صحفية مثل منظمة حقوق الإنسان الدولية الغير حكومية Human Rights Watch والمؤسسة الأرشيفية البحثية الغير هادفة للربح National Security Archive الذين يبتكرون نماذج خاصة بهم في التحقيق والتوثيق. أخيرا، إذا قامت شبكة الإذاعة التلفزيونية Public Broadcasting Service بتوسيع نشاطها ومزجه بشكل محكم مع NPR، فان بامكانهم أخيرا أن يندمجوا كنظام إخباري محلي غير تجاري أسوة بشبكة BBC.
ولكن الولايات المتحدة الأمريكية لن تحصل أبدا على شبكة مثل BBC. فالتمويل الحكومي ليس له وجود. ما لدينا، وان كان، هو الزيادة الهائلة في الحماسة والمبادرة التي تعتبر في عصر الانترنت أكثر أهمية من نقل الأخبار والنسخ المطبوعة. فتراجع الشركات والمؤسسات الكبرى أتاح الفرصة لاندماج الأنظمة الحديثة. يبقى أن نرى ما إذا كانت المؤسسات والمتبرعون الأثرياء ومستهلكو الأخبار سوف يتقدموا لمساعدتهم أم لا. (ومن الجدير بالذكر أن المواقع الالكترونية الغير هادفة للربح والإذاعات العامة في الواقع مدعومة جزئيا من قبل الجمهور من خلال تخفيض الضريبة من اجل المنح والتبرعات المقدمة لهم).
الفرصة لن تدوم إلى الأبد. فالترصد داخل الأجنحة من المحتمل أن يكون فئة جديدة من وسائل الإعلام العملاقة. جوجل وياهو وMSNBC وAOL، كلهم لديهم مصادر وافرة يمكنها أن تمول مشروعات جديدة على صفحة الانترنت. وترى شيليا كورونيل التي كانت تدير مركز تقارير تحقيقية في الفلبين قبل التحاقها بجامعة كولومبيا أن هناك تطابق بين ما يحدث هنا في الولايات المتحدة الأمريكية وبين ما حدث في الفلبين بعد سقوط رئيسها السابق فريدنان ماركوس. فكما انهارت احتكارات وسائل الإعلام القديمة، هرع إلى الأمام صغار اللاعبين مقدمون مجموعة جديدة من الأصوات المتعددة. قبل وقت طويل قام الثراء والقوة باستعادة السيطرة وإخماد هذه الأصوات الجديدة. وتقول كورونيل "هناك فرصة تاريخية لخلق قسم غير تجاري في وسائل الإعلام داخل الولايات المتحدة الأمريكية"
 ولكن خبرتي بعد اجتياز تحول شبيه إلى حد كبير بهذا، تحول من السيطرة إلى إعلام حر
 بعد سقوط الدكتاتورية، هي أن الإطار ضيق. فنحن نحتاج إلى اقتناص هذه الفرصة
 لان إذا بدأ النظام القديم في استعادة نفسه، فان الأمر قد يستغرق طويلا قبل
 أن تحين الفرصة مرة أخرى.

26 أغسطس 2009

ترجمة: أميمة صبحي

نُشر في وجهات نظر