Friday, January 4, 2013

فن العلاقات العامة


فن العلاقات العامة في كل الأحوال هو فن فريد من نوعه في العصر الحالي. وهو يعود إلى القرن التاسع عشر عندما كان يقوم ناشري الأخبار بانتقاء المعلومات وتتبعها، فبدأت قوات الصناعة الجماهيرية المتحدة وسكك الحديد والاستهلاك الجماهيري بخلق سوق للجرائد وللشركات وللهيئات لتساعدهم في التعامل مع الجماهير المحلية. بدوره، يزيد عصر وسائل الإعلام تطور صناعة العلاقات العامة تعقيدا، تلك الصناعة التي صممت خصيصا لتشكيل وإدارة تدفق المعلومات والأخبار المتخصصة.
لابد أن تكون الثورة الرقمية مفهومة في مقابل هذه الخلفية التاريخية. فبالرغم من لديها اصل واضح فان صناعة العلاقات العامة تتخذ دورا حاسما وتنافسيا في جمع وتوزيع المعلومات والأخبار في نطاق واسع ليتضمن الأحداث والعمليات والمبادرات التي تهم الجمهور.
وسط الحركة المضطربة الممتدة لأربع وعشرين ساعة في اليوم وسبع أيام في الأسبوع، فان قنوات وسائل الإعلام المتعددة ووسائل الاتصال ومهارات العلاقات العامة لها أهمية قصوى ليس فقط للأعمال الساعية للربح وللصورة الذهنية المكونة عن الأقسام الحكومية ولكن أيضا للمؤسسات الخيرية والمنشآت التجارية والمنظمات الغير حكومية وللأفراد (الناشطون والمشاهير والسياسيون...إلى آخره) الذين يشغلون مناصب بارزة في الحياة العامة.  فالمؤسسات والأفراد الذين في حاجة لبث ودعم رسائلهم عبر مجموعة من منابر وسائل الإعلام لابد لهم من الوصول إلى شكل ما لجهاز العلاقات العامة.
فالغوص إلى أعماق غير متوقعة داخل وسائل الإعلام بدون إرشاد من متخصص علاقات عامة شبيه بذهابك إلى قاعة المحاكمة بدون محامي كما أبدى احد الصحفيين بامتعاض. ولكن هذا ببساطة غير متعلق بإدارة مكانة مرموقة فحسب; فمن وجهة نظر تنظيمية فان العلاقات العامة لها أيضا دور حيوي هام في أنشطة كثيرة على كافة المستويات. فالعلاقات العامة تقدم للعملاء طريق منظم ومتميز وموثوق فيه إلى وسائل الاتصال، وبذلك ضمان الإذعان للوائح المختلفة التي تؤثر على أنشطة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية بشكل فعال.
لقد تزايد الطلب على خدمات العلاقات العامة: قام القطاع البريطاني ككل بتوظيف أكثر من 30.000 من الإعلاميين المحترفيين، مٌنتج ما يزيد على 6 مليارات سنويا. والقطاع يضم مجموعة متنوعة من الشركات، بدءا من شركات الاستشارات إلى وكالات العلاقات العامة العالمية، التي تضم كل شئ من المنتجات الاستهلاكية إلى الأسباب السياسية للحرب.
هذا بجانب قيام المنظمات والوكالات الحكومية عادة بتوظيف فريق العلاقات العامة الخاص بهم في شكل صحفيين ومديرين تنفيذ في وسائل الإعلام. وبرغم ذلك فان هناك الكثير من الآراء التي ترى أن العلاقات العامة قوة سلبية متأصلة كسرطان يدمر قلب الصحافة الحديثة. ولكن في رأينا أن استيعاب كيفية إدارة العمل الداخلي لها شئ أساسي كما معرفة كيفية اتصالهم بالصحفيين.
لدى العلاقات العامة تنوع في أنشطتها بشكل ملحوظ، جدول أعمالها ونتائجها، بجانب وجود سلسلة من الفوائد التي تستطيع تحقيقها. فمن خلالها انتشرت أنشطة الجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية بين العامة. ولكن لا يزال هناك عوائق كثيرة تقف حائلا أمام قيادة العلاقات العامة لجدول الوسائل الإعلامية حتى لو توافرت أسباب عديدة تدعونا للتفاؤل. ونقدم هنا تحليل متوازن يبدأ بالفاعليات الاقتصادية والمكاسب الاجتماعية المرتبطة بأنشطة العلاقات العامة.
أولا، من منظور اقتصادي بحت، بزوغ قطاع السوق المتخصصة المكرسة للاتصالات والعلاقات الإعلامية والتي يتم تدعيمها، في شكل إجمالي، بنظام أكثر كفاءة لمعالجة ونشر المعلومات للمستهلكين، يمكن النظر إلى العلاقات العامة على إنها شكل من أشكال القيادة الفعالة. وبسبب الضغوط التجارية لم يعد في وسع ناشري الأخبار الحفاظ على شبكة واسعة من الأخبار المجمعة.  وتعتبر صناعة العلاقات العامة إلى حد ما ملئ للفراغ الذي خلّفه تعزيز ودمج غرف التحرير ومطالعة الصحف. فجعلت كسر الوقت والمسافة والتكلفة يبدو انسيابيا بين غرف الأخبار والأحداث التي تهم الجمهور المتلقي.
في الواقع، تزداد العلاقات العامة فاعلية في القيام بذلك، حسب البيانات الأخيرة الواردة من وكالة Metrica، ففي عام 2007، على سبيل المثال، تمكنت وكالات العلاقات العامة من الوصول إلى 35% من سكان بريطانيا البالغين بمتوسط 11 مرة كل شهر من خلال التغطية الإعلامية.

ثانيا من منظور اجتماعي، لقد سٌخرت كفاءة وحنكة قطاع العلاقات العامة لجمع وتوزيع مجموعة واسعة من معلومات غير تجارية وتهم المجتمع. كما تعتبر مهارات العلاقات العامة أساسية لترجمة كود الرسالة إلى الجماهير الغير متخصصة. ولكن بالرغم من هذه الفوائد فان زيادة تطور العلاقات العامة يثير تساؤلات عديدة حول مستقبل الصحافة الجادة، فلتغطية الحدث يستعين الصحفيين بقسم العلاقات العامة بدلا من اللجوء إلى الأفراد الذين لهم وتد في قلب الأحداث.
بشكل عملي، الربط بين الصحفيين والعلاقات العامة تكافلي أكثر مما تخيل الإعلاميون حتى الآن. إنها ليست قضية بسيطة لمهارات العلاقات العامة المتدفقة بلا مراجعة بين أيدي الصحفيين المتعطشين بالرغم من حدوث هذا بشكل متزايد.
من ناحية أخرى، هناك تعاون من موظفي العلاقات العامة فيدفعوا بالمعلومات والأخبار بين يدي الصحفيين; لاسيما بالإعلانات والأحداث المهمة التي يتم إطلاقها للمتخصصين والقنوات الإعلامية والجمهور العام. اليوم، تعتمد العملية بشكل كبير على شبكة الانترنت: فالأخبار المتاحة وقوائم البريد الالكتروني وخاصية خلاصة الموقعRSS  ومجموعات الشبكات الاجتماعية تضمن غمر الصحفيين بوابل من تسونامي الكتروني إخباري كل يوم.
وفوق ذلك فان الصعوبات التي تعترض تحقيق العمل الإعلامي تٌعني أن مهارات العلاقات العامة تم الترويج لها بكثافة أو ما هو أسوأ، يمكننا قول إغواء، لتحريك شهية الصحفيين والمحررين. فهذا القطاع بارعا في نسج قصة ما هنا أو هناك لشد انتباه المستهلكين. في مثال حي على ذلك، كلف عميل أمريكي شركة علاقات عامة بمساعدته في بيع مخزون فائض من صناديق تخزين بلاستيكية; فاختلق فريق العلاقات العامة قصة جديدة مرتبطة بالمخاوف السائدة من القنابل الإشعاعية الملوثة تفيد أن فقط الصناديق هي السبيل الوحيد للحماية. وفي اليوم التالي باع العميل المخزون الفائض.
في سياق بحثنا، تحدثنا مع قطاع عريض من الأفراد والمنظمات التي تعتمد على خبرة العلاقات العامة في إدارة احتياجاتهم الإعلامية. فان الرأي العام السائد هو أن العلاقة بين العلاقات العامة والإعلام هي تربة خصبة لإثارة ضجة. فمسئولي العلاقات العامة لديهم المهارة لجمع محتوى إخباري، في حين تبحث غرف الأخبار عن محتوى يمكنه جذب الجماهير وفي نهاية المطاف عائدات الإعلانات.
لقد وجدنا أن الجمعيات الخيرية والمنظمات الغير حكومية، بشكل خاص، تقع تحت ضغط متزايد لجعل رسالتهم مثيرة للجمهور. وفي المقابل، فان الصحفيين يلجأون للعلاقات العامة لتغطية أماكن الحدث. خطورة هذا الإشكال تتمثل في أن جدول وسائل الإعلام يتشكل ويمتلأ بهؤلاء من ذوي المهارات المطلوبة في العلاقات العامة.
ولكن الصحفيون واقعون تحت ضغط متزايد لإنتاج محتوى إخباري اكبر لقطاع عريض من المنابر الإعلامية. افتراضيا، يعني هذا أن الصحفيون ليس لديهم سوى وقت اقل لإجراء البحوث الأصلية أو اكتشاف القضايا التي تمس عمق المجتمع. ليس مفاجأة إذن،  أن يتجه الصحفيون بشكل متزايد إلى العلاقات العامة من اجل تعليق أو تحليل متخصص أو بحث.
الإشادة بمهارات العلاقات العامة في تجميع واستهداف وتعقب المحتوى بدأت تزيد بدرجات متفاوتة. ويظهر ذلك بوضوح خاصة في مجال بث الفيديو حيث يتم إنتاج الكليبات المصورة من قبل شركات علاقات عامة تعرف كيف تقوم بادراك طبيعة برامج الأخبار بانتظام. وزارة الداخلية البريطانية، على سبيل المثال، تقوم بتفويض منتجين تلفزيونين من تلفزيون الأخبار المستقلITN  وإذاعة سكاي البريطانية SKY  لعمل أفلام وثائقية عن القضايا المرتبطة بالشرطة أو الهجرة. كما أن أكبر مثال على هذا الاتجاه هو وكالة العلاقات العامةMedia Link ، التي تنتج أفلام فيديو إخباريةVNRs  للعملاء ثم توزعها داخل غرف الأخبار الإذاعية عبر المملكة المتحدة.  
Media Link  قادرة على زرع أفلام الفيديو الإخبارية الخاصة بهاVNRs  على أساس جودة الإنتاج العالي والعلاقات الوشيكة مع المحررين والمديرين التنفيذيين لنشر الأخبار. فشركة علاقات عامة مثلها ليست فقط ضرورية للأفراد والمنظمات التي تسعى لتغطية إعلامية ايجابية، ولكنها أيضا تعد مصدر ذو قيمة لناشري الأخبار للجمهور المتعطش. بالإضافة إلى أن الإمدادات الإخبارية من العلاقات العامة في وسعها جذب ناشري الأخبار لاستقلالهم واستطاعتهم بوجه عام الاعتماد عليها لتوليد المحتوى الإخباري على خلاف الأيام المضجرة التي تجعلهم عاجزون عن جمع اكبر محتوى ممكنا. ويؤكد لنا رؤساء شركات العلاقات العامة أن غرف التلفزيون الإخبارية كثيرا ما تبحث عن قصص المشاهير الأكثر شعبية خاصة لملأ الفراغ في المواقع الالكترونية الإخبارية التي ظهرت مؤخرا.
ويعتمد التعايش بين الصحفيين وموظفي العلاقات العامة على مصداقية وثقة العلاقات الفردية. فاستبداد العمل المعتمد على الكمبيوتر والذي يربط الصحفيين إلى مكاتبهم ويعرضهم لتدفق مستمر للبيانات الصحفية الغير شخصية، يٌحسن قيمة وتأثير المحتويات والتوصيات الشخصية. وليقوم العمل الاحترافي للعلاقات العامة بإثراء العلاقة مع الصحفيين والمحررين لن يكون فقط بضمان التعرض للمعلومات إنما سيكون أيضا بإضفاء شرعية على القصة. فمقياس نجاحهم مازال يٌقاس بندرة البث والطباعة على العكس من وفرة ذلك على الموقع الالكتروني.
ومازالت الأجندة الإعلامية مدارة بشخصيات بارزة يٌعدوا من النجوم مثل الصحفي الإنجليزي جون هامفريز والصحفي والإعلامي الإنجليزي فيBBC NEWS  اندرو مار والصحفي الإنجليزي جيرمي باكسمان ومازالت ثابتة بالأعمدة الصحفية المؤثرة التي يكتبها أمثال مارتن والف في جريدةFinancial Times  أو سيمون جنكينز في صحيفة Guardian وThe Times. ومن المؤكد أن استمرار تلقي الأخبار من خلال هذه القنوات يستحق احترام أكثر من التغطية الإخبارية الالكترونية الخالصة.
العلاقات التي تقوم عليها العلاقة بين الصحافة والعلاقات العامة عميقة ومتنوعة بسبب التدفق المستمر للمواهب من الصحافة إلى العلاقات العامة. لاسيما، إننا وجدنا أدلة لتأثير هجرة الأدمغة الناجمة عن هجرة المحررين والصحفيين والإعلاميين الناجحين من غرف الأخبار إلى وكالات العلاقات العامة. توظيف الرئيس السابق لإذاعة BBC Newsnight بيتر بارون مؤخرا كرئيس لقسم الاتصالات والشئون العامة في شركة جوجل البريطانية بالتأكيد خير شاهد على هذا التحول. فالصحفيون ذو قيمة لأقسام لعلاقات العامة بالتحديد بسبب خبرتهم في غرف الأخبار ومعرفتهم عن كيفية بناء قصة صحفية.
قياس سرعة أو امتداد هجرة هذه الأدمغة يعد عملية صعبة ولكن بالتأكيد فان الأسباب الاقتصادية واضحة. في رأي مخضرم العلاقات العامة سيمون واكر أن إغواء الرواتب السخية والعلاوات الإضافية يعني أن الصحافة ما هي في نظر البعض إلا خطوة نحو مكانة أخرى مرموقة ذات رواتب مجزية في قسم آخر من أقسام الاتصالات. وفقا للبيانات الحالية من الاتحاد القومي للصحفيين فان تقريبا 50 % من الصحفيين يجني اقل من متوسط الأجور في بريطانيا.
في عام 2005، كان متوسط دخل المراسل المبتدئ والمحرر 20.900 جنيه إسترليني و 39.800 جنيها على التوالي. بالمقارنة، تقدر مجلةPR Week  أن متوسط دخل الصحفي في قسم العلاقات العامة يصل لأكثر من 29.000 جنيها، بينما متوسط الدخل مدير الإداريين التنفيذيين ومدير اللجنة يقترب من 70.000 جنيه إسترليني. لذلك فان التحدي الذي يواجه ناشري الأخبار هو إيجاد أفضل طريقة لاستبقاء المواهب والحفاظ على نشاط غرف الأخبار فيعتبر الاستثمار في الصحفيين المتألقين ومشاهير الإعلاميين ضرورة حتمية هنا.
في النهاية، نحن نرى أن صناعة العلاقات العامة جزءا لا يتجزأ من المشهد الإعلامي، وأداة فعالة في جمع وتوزيع الأخبار للمستهلكين. فالتعايش بين الصحفيين والعلاقات العامة في وسعه تقديم مكاسب اقتصادية واجتماعية فعالة; ولكن هذا أيضا يؤكد على الحاجة إلى المزيد من الشفافية بين الصحفيين في توثيق الأخبار، على الأقل تحديد مجالات التغطية حيث المصالح الخاصة بالعلاقات العامة قد تصطدم مع المصلحة العامة للتقارير الموضوعية.


ترجمة: أميمة صبحي
نُشر في وجهات نظر - 2009

No comments:

Post a Comment