Wednesday, February 20, 2013

ما بين الأسود وريتشادر باركر

لم يكن ريتشارد باركر هو الحيوان الوحيد الذي  سافر على متن سفينة في المحيط وكاد ان يغرق. سبقه في هذه التجربة "الأسود" واستطاع ايضا ان ينجو أيضا من الغرق.


 ففي عام 1979عُرض الفيلم الأمريكي "الحصان الأسود" من انتاج المخرج الايطالي 
فرانسيس فورد كوبولا، مخرج "الأب الروحي". وهو يعتبر البذرة التي كبرت ورعرعت وطرحت في "حياة باي".
لم يكن الحصان سوى سبيل لتعويض الصبي عن غرق الأب مع السفينة وكذلك ريتشارد باركر  ولكن النمر كانت مهمته اكثر عمقا وحساسية، كان في ذاته رحلة للبحث عن الله في قلب المحيط.
يبدأ فيلم الحصان الأسود بداية مباشرة، سفينة في قلب المحيط، على متنها العديد من الجنسيات. من بينهم رجل عربي يصطحب معه حصان عربي اصيل غير مروض ويقوم بحبسه في حجرة صغيرة على السفينة. يجذب الحصان الطفل "أليس رمزي" إليه ويشفق عليه ويطعمه مكعبات السكر ويطلق عليه إسم "الأسود". وفي الليل يحكي لوالده عنه فيعطيه الأب مجسم لحصان اسود صغير ويخبره انه الحصان الخاص بالأسكندر الأكبر ويحكي له عن اسكندر الطفل الذي يروض الحصان الثائر البري ويكون اول من يمتطيه. في تلك الليلة تغرق السفينة ويستطيع الحصان ان يخرج من محبسه ويعوم برشاقة فينجو من الغرق ويصطحب معه الطفل أليس الذي يتمسك بحبل مربوط في رقبة الحصان. وينتهي بهم الحال فوق جزيرة صخرية خالية من الحياة وحدهم. وسريعا تتوج محاولات الطفل بالتقرب من الحصان بالنجاح ليبدأ الفيلم بدايته الحقيقية بعد ذلك.
تضع الصدفة أليس في بيت متسابق ومدرب سباقات خيل سابق وبعد احداث قليلة يبدأ في تدريب الطفل على امتطاء الحصان وترويض الأخير ليكون حصان سباق ماهر. وبالفعل يتمكن من اشراكهم في اكبر مسابقة للخيل رغم ان الحصان بلا اوراق تثبت هويته واصالته ويفوز الطفل بالسباق وسط دهشة الجمهور والمتسابقين الآخرين واعجابهم في نفس الوقت. استطاع أليس هنا ان يتخطى وحشة فقد الأب وترجمة قصته الأخيرة له عن الأسكندر على أرض الواقع. فالحصان الثائر هو الحياة التي روضها أليس بمفرده بعد رحيل الأب المفجع والمفاجئ. 
ما تتداوله الشبكة العنكبوتية ان الفيلم من إخراج المخرج الإيطالي فرانسيس كوبولا  خطأ، انه فقط المنتج المنفذ. بينما الفيلم من إخراج المخرج الأمريكي كارول بالارد. يشوب الفيلم بعض المشاهد التي ترفع الضغط، مثلا لم يعالج المخرج إشكالية المياه الصالحة للشرب. لم نرى طوال الوقت الذي قضاه أليس وحصانه فوق الجزيرة الصخرية مياه صالحة للشرب ولا نعرف كيف استطاعوا مواصلة الحياة بدون ماء. كما انه مر مرور الكرام على مشكلة توفير الطعام لكلا الطفل والأسود. اتذكر هنا أفلامنا العربية عندما يدخل البطل لمنزله ويمارس الحب مع ممثلة ما بينما لم يغلق باب الشقة وراءه، في إستطاعة هذا ان يعكر صفوي ومزاجي للأبد، فأظل طوال الوقت أردد انه لم يغلق باب الشقة. على المخرجين ان يراعوا مرضى الوسواس القهري ومن هم على شاكلتي.
ومن المتداول ايضا ان الفنان العالمي الموسيقار النوبي حمزة علاء الدين قام بوضع الموسيقى التصويرية لذلك الفيلم وهذا ايضا غير صحيح. فالفنان النوبي الرائع لم يشارك في صُنع هذا الفيلم من الأساس.


ونعود لريتشارد باركر صاحب المهمة الأسمى. في الحقيقة أجد ان حياة باي أكثر إيلاما ووجعا. فالحصان الأسود من الأفلام صاحبة النهايات السعيدة التي لا تشبه الحياة في شئ ولكن باي كان مؤلما حتى اني أكره ان أقول أن لن استطع ان اشاهده مرة أخرى دون مرارة. ليس في الأمر مبالغة، فالنمر الذي لا يلتفت لصاحبه بعد كل هذه المخاطر التي مروا بها سويا وبعد كل هذه المشاعر التي تدفقت بينهم في ليال طويلة وسط المحيط، يشبه الواقع بكل قسوته وجبروته. ونحن نهرب لخيالنا حتى نتناسى هذه القسوة، فكيف لي ان أعود لرؤيته بإرادتي الحرة؟
حياة باي يبدأ بداية مختلفة عن الأسود في محاولة لإضفاء عمق على شخصية باي وتسامح مع الأديان التي تحلق في سماء دولة عظيمة كالهند. نجد باي هندوسي نباتي أقرب للصوفية ثم نجده يؤمن بالمسيح ويدخل الكنائس وفي مشهد آخر يصلي صلاة المسلمين في خشوع. ربما تكون مبالغة ولكنها ليست ببعيدة عن الواقع. يركب باي السفينة مع اسرته انتقالا الى كندا تاركا وراءه حب حياته وذكرياته. وتنتقل الحيوانات معهم  لبيعها في العالم الجديد. وتغرق السفينة في مشاهد مشابهة لغرق سفينة أليس وينجو من الغرق باي ومعه في القارب قرد وضبع وحمار وحشي والنمر ريتشارد باركر. لابد من رؤية الفيلم لأن المشاهد التالية، بالنسبة لي، عاصية على الحكي والوصف. فطالما غبطت صناع السينما على مشهد واحد كامل صوت وصورة وألوان ومشاعر متدفقة من الشاشة إلينا، نصفه نحن بالكتابة في صفحات طويلة وقد نفشل في معظم الاحيان في التعبير عنه في النهاية.
ولكن اعتقد انه في إمكاني التسامح مع ذلك النمر/ الحياة. لذلك اوجه إليه رسالة كتبتها مباشرة بعد مشاهدتي للفيلم: "عزيزي ريتشارد باركر في قلب الغابة: أعرف انك بخير وانك حيوان ماهر ويمكنك التأقلم في عالمك الجديد ولكني تعيسة يا ريتشارد.. انا أؤمن بروح الحيوان وأؤمن باخلاصه في الحالات الاستثنائية.. مازلت اعتقد ان في امكاني ان اكون صديقة لأسد أو لحمار وحشي ومازالت فسحتي المفضلة هي الذهاب لحديقة الحيوانات.. لماذا تصرفت هكذا إذن؟ لماذا خذلتني وخذلت باي؟ لماذا لم تنظر وراءك؟ هل تؤمن بأسطورة عامود الملح؟ انها اسطورة بشرية حمقاء لا احبها.. ليس النظر الى الخلف دائما يجمدنا، ربما فقط يترك بداخلنا مسحة حزن شفيف انساني. استطيع ان اسامحك وأتخيل انك حيوان جاد عملي تضع قناع القسوة على وجهك وتحاول ان تبدو خشن الطباع لا تبالي بما حولك ولكنك وودت ان تنظر نظرة الوداع ومنعت نفسك بصعوبة وانك الآن في الغابة تئن من الحنين وتود في اعماق قلبك ولو تركت نفسك لتلك اللحظة الفريدة التي لن تتكرر في حياتك مرة أخرى"
 الفيلمان مأخوذان من روايتين وهذا يؤكد على عظمة الأدب رغم فكرتي المشوشة عن انسيابية السينما مقارنة به.  وكلاهما ملهم بطريقته رغم سذاجة سبعينية الحصان الأسود التي لا يضاهيها نمر الألفية الجديدة.



1 comment:

  1. رجعت اقرا رأيي في الفيلمين بعد شهر من كتابته.. ايه الجمال ده؟ بصراحة عمري ما قريت ريفيو اوحش :D
    يالا هاف ا نايس تايم بقى

    ReplyDelete