Sunday, November 17, 2013

مونرو: لن أكتب رواية حقيقية أبدا

حوار الكاتبة الكندية أليس مونرو مع مجلة باريس ريفيو عام 1994
الجزء 2
      
المحاور: كيف قابلت جيري؟
مونرو: لقد عرفت جيري عندما كنا بالجامعة معا. كان الأكبر سنا وكنت لا أزال طالبة مبتدئة. كان جنديا عائدا من الحرب العالمية الثانية، مما يعني أن هناك سبع سنوات بيننا. وكنت مفتونة به حين كنت في الثمانية عشر من عمري لكنه لم يلاحظني أبدا. كان يلاحظ أشخاص آخرين. كانت جامعة صغيرة لذلك فأنت تعرف الجميع هناك. لقد كان عضوا في تلك المجموعات الصغيرة المكونة من الأشخاص الذين – اعتقد كنا نطلق عليهم البوهيميون، حين كان هذا التشبيه لايزال موجودا، كانوا يكتبون الشعر ويقوموا بإرساله إلى المجلات الأدبية، وكانوا مثيرين للاهتمام حيث يتناولون الشراب لحد الثمالة وهكذا. اعتقد إنه كان على اتصال مع المجلة، وعندما كتبت قصتي الأولى، كان جزء من خطتي أن أعرض عليه مخطوطاتها. وحينها من المحتمل إجراء محادثة، وقد يقع في حبي، ومن هنا يبدأ كل شيء. وبالفعل أخذت القصة إليه، فقال لي:
-         يعمل جون كايرنز محرر، إنه بالأسفل في الردهة.
 هذا بالكاد يُسمى محادثة، وقد كانت الوحيدة بيننا.      

المحاور: هل كانت هذه هي المحادثة الوحيدة التي تمت بينكما خلال دراستك بأكملها؟
مونرو: نعم، لكن لاحقا، بعد نشري للقصة، كان قد غادر الجامعة. كنت أعمل كنادلة ما بين عامي الأول في الجامعة والثاني، حين تلقيت خطاب من جيري. كان حقا خطاب رائع عن القصة. لقد كان أول خطاب أتلقيه من معجب. لكنه لم يكن عني بأي حال من الأحوال، ولم يُشير إلى جمالي، لم يقل إنه من الجميل أن نكون سويا أو أي شيء مشابه لذلك. لقد كان ببساطة تقدير أدبي. لذلك قدرته ربما بشكل أقل من أي خطاب آخر لأني كنت آمل أن يكون أكثر جرأة. لكنه كان خطاب لطيف. ثم، بعد عودتي إلى لندن وعملي في ويسترن، استمع إلى بطريقة ما في الراديو حيث أجريت حوار. لابد أني ذكرت أين أعيش وأعطيت انطباع اني لم أعد سيدة متزوجة، لأنه أتي ليراني.  

المحاور: وقد كان هذا بعد حوالي عشرون عام؟
مونرو: بعد أكثر من عشرين عام، ولم نر بعضنا خلال كل تلك الفترة. لم يبدو كما توقعته. لقد هاتفني قائلا، أنا جيري فرملين. أنا في كلينتون، وكنت اتساءل إذا ما كان في إمكاننا تناول الغداء معا في وقت ما. كنت أعرف أن بيته في كلينتون وفكرت أنه ربما جاء ليرى والديه. كنت اعتقد في هذا الوقت إنه يعمل في اوتاوا، كما سمعت عن ذلك من شخص ما. واعتقدت أن زوجته وأطفاله قد عادوا إلى اوتاوا، بينما هو في وطنه ليزور والديه، ثم فكر في تناول الغداء مع أحد معارفه الشخصية القدامى. هذا هو ما توقعته حتى جاء وأخبرني أنه لا يزال يعيش في كلينتون وأنه غير متزوج وليس لديه أطفال. ذهبنا إلى نادي الكلية واحتسينا ثلاث كؤوس من المارتيني أثناء الغداء. كنا نشعر بتوتر. لكننا تداركنا الموقف بسرعة. وبحلول الظهيرة اعتقد أننا كنا نتحدث عن الانتقال والعيش معا. كان هذا سريعا للغاية. أظن أني انتهيت من تدريس هذا الفصل الدراسي بويسترن ثم توجهت إلى كلينتون، وانتقلنا للعيش معا هنا في المنزل حيث يعيش هو ليعتني بوالدته.      

المحاور: لم تقرري أن تأتي هنا للكتابة؟
مونرو: لم أتخذ أبدا قرار فيما يخص الكتابة. ولم أفكر قط في اني قد أتوقف عنها. اعتقد أن هذا بسبب أني لا أؤمن بتوافر بعض الشروط للكتابة والتي قد تكون أفضل من شروط أخرى. الشيء الوحيد الذي يجعلني أتوقف عن الكتابة هو العمل – عندما كان يتم تقديمي كشخصية عامة وكاتبة ثم يتم اعطائي مكتب لأعمل به.

المحاور: هذا يذكرنا بقصتك "المكتب": السيدة التي استأجرت مكتب لتكتب به ثم قام مالك المكتب بإلهائها حتى اضطرت في النهاية إلى الانتقال.
مونرو: كتبت هذه القصة بناءا على تجربة حقيقية. لقد استأجرت مكتبا، ولم اكن قادرة على الكتابة به إطلاقا – لم أكتب سوى تلك القصة. فلقد أخذ المالك في ازعاجي طوال الوقت، لكن حتى بعد توقفه عن ازعاجي لم أستطع الكتابة. يحدث هذا في الوقت الذي لا أحدد به نظام للكتابة، فضلا عن وجود مكتب. عندما اشتركت ببرنامج الكتابة بجامعة كوينزلاند بأستراليا، كان لدي مكتب هناك، في القسم الانجليزي. كان مكتب أنيق وجميل. لم يسمع عني أحد، لذلك لم يأت أي شخص لرؤيتي. ولا أحد هناك كان يحاول أن يكون كاتب بأي حال. كان الأمر مشابه لفلوريدا؛ كانوا يتجولوا طوال الوقت بلباس البحر. لذلك كان الوقت كله ملكي، وكنت أجلس في هذا المكتب أفكر فحسب. لن أصل إلى شيء؛ وهذا يعني العجز.

المحاور: هل كانت فانكوفر أقل فائدة بالنسبة للمادة الرئيسية؟
مونرو: لقد عشت في الضواحي، في البدء كنت في شمال فانكوفر، ثم انتقلت لغربها. في شمال فانكوفر، يخرج جميع الرجال في الصباح ولا يعودوا إلا بحلول الليل. طوال اليوم لا يوجد سوى ربات البيوت والأطفال. كان هناك وحدة شعبية، وكان من الصعب أن تكون وحدك. هناك الكثير من الحوارات حول التنظيف بالمكانس الكهربائية وغسيل الأصواف، لقد كنت مهتاجة إلى حد بعيد. عندما كان معي طفلتي الأولى فحسب، كنت أضعها في عربة الأطفال وأمشي لأميال لأتجنب حفلات تناول القهوة. كان ذلك أكثر ضيقا وصداما من الثقافة التي نشأت بها. لذلك كان هناك الكثير من الأشياء الممنوعة – مثل أخذ أي شيء على محمل الجد. كانت الحياة بشكل محدود مرتبة مثل سلسلة من التسليات المسموح بها، الآراء المسموح بها، الوسائل المسموح بها لكوني امرأة. وقد فكرت أن المخرج الوحيد هو مغازلة الأزواج أثناء الحفلات. في الحقيقة، كان هذا هو الوقت الوحيد الذي تشعر أن هناك شعور حقيقي، لأنه الاتصال الوحيد لك مع الرجال. إن كان هناك واقع لهذا، فلقد بدا لي انه جنسي. ومن ناحية أخرى، لا يتحدث الرجال إليك عادة، وإذا فعلوا فإنهم يتحدثون من أعلى لأسفل. لقد قابلت أستاذ جامعي، وعندما أظهرت معرفة بشيء ما هو يعرفه، اعتبر المحادثة غير مقبولة. فالرجال لا يحبوا أن تتحدث السيدات، والسيدات لا يحبوا ذلك أيضا. لذلك فإن عالمك متمركز حول الأحاديث النسائية عن أنسب طرق لعمل الحمية، أو أفضل الوسائل للحفاظ على الأصواف. كنت مع السيدات ذوي الرجال المتسلقين. لقد كرهت ذلك بشدة ولم أكن قادرة أبدا على الكتابة عنه. ثم انتقلنا إلى غرب فانكوفر، التي كانت ضاحية مختلطة أكثر، وليس كل الشباب من الأزواج. هناك كونت صداقات رائعة. تحدثنا حول الكتب والقيل والقال وسخرنا من كل شيء مثل فتيات المدرسة الثانوية. هذا شيء كنت أود الكتابة عنه لكني لم أفعل، حيث المجتمع المُفسد للسيدات الشابات، اللاتي من خلاله يبقين بعضهن البعض مليئات بالحياة. لكننا انتقلنا مرة أخرى إلى فيكتوريا وقمنا بفتح المكتبة والتي كانت أكثر الأشياء الرائعة التي حدثت. كانت جيدة لأن الأشخاص المخبولون بالبلدة كانوا يأتون إليها ونجري الأحاديث معهم.  

المحاور: كيف جاءت إليك فكرة المكتبة؟
مونرو: كان جيم يرغب في ترك المتجر الكبير بالبلدة. وتحدثنا حول إذا ما كان يريد أن يقوم ببعض الأعمال المشابه. قلت له:
-         حسنا، إذا كان لدينا مكتبة فقد استطيع المساعدة.
وتوقع الجميع أننا سنفشل، وبالطبع، كنا على وشك الفشل. لقد كنا فقراء للغاية، لكن في تلك الأثناء كان ابنتاي الكبيرتان في المدرسة، لذلك كان في مقدوري العمل كل الوقت بالمكتبة، وقد فعلت ذلك. كان ذلك من أسعد أوقات زواجي الأول.   

المحاور: هل انتابك احساس أن الزواج لن يستمر؟
مونرو: لقد كنت مثل ابنة فيكتورية – كان هناك ضغوط عظيمة حتى أتزوج، وقد شعرت أن هذا وسيلة للخروج من هنا: حسنا، سأتزوج، ولن يستطيعوا ازعاجي حول هذا، ثم سأصبح انسان حقيقي وحياتي ستبدأ. اعتقد أني تزوجت لأكون قادرة على الكتابة، حتى استقر وأعطي كل انتباهي للشيء المهم. أحيانا عندما أنظر الآن خلفي لتلك السنوات، أفكر في أني كنت فتاة صغيرة ذات قلب قاس. الآن أنا شديدة البُعد عن السيدة التقليدية أكثر مما كنت حينها.  

المحاور: أليس كل فنان شاب، في بعض المستويات، يضطر أن يكون له قلب قاس؟
مونرو: يكون الأمر أسوأ إذا كنت امرأة. لقد أردت أن أحيط بأطفالي واستمريت في التفكير حول إذا ما كنت بخير! لم أكن أقصد أن أكون فقط مثل... ذلك في وسعه أن يجعلهم بالطبع غاضبين لأن هذا يفترض ضمنا أنهم عبارة عن متاع تالف. فبعض مني كان غائبا عن هؤلاء الأطفال، وهم قادرون على اكتشاف الأمور من هذا النوع. لم أكن مهملة، لكني لم أكن مستغرقة في الأمومة بالكامل. عندما كانت ابنتي الكبرى في حوالي الثانية من عمرها، جاءت حيث كنت أجلس منكبة على آلتي الكاتبة، كنت أحاول إبعادها بيد، بينما كنت أكتب باليد الأخرى. وأخبرتها بهذا. وقد كان أمر سيء جعلها خصم لأهم ما أمارسه في حياتي وهو الكتابة. وشعرت أن كل شيء فعلته قد تراجع: كانت الكتابة حين كانوا صغار أمر استحواذي تماما. والآن، بينما لم يعدوا في حاجة إلي، أشعر بحب جارف ناحيتهم. أطوف بالمنزل وأفكر، لقد اعتدنا على أكثر من مجرد عشاء عائلي.

المحاور: لقد حصلت على جائزة الحاكم العام عن كتابك الأول، وهي موازية تقريبا لجائزة بولتيرز في أمريكا. ومن النادر في الولايات المتحدة الأمريكية أن يحصل كتاب أول على جائزة كبيرة كهذه. عندما يحدث هذا، يكون لأن الكاتب قام بمهمة شاقة.
مونرو: حسنا، لم أكن حديثة السن حينها. لكنه كان أمرا صعبا بالتأكيد. لقد قضيت حوالي عام لم أكتب أي شيء لأني كنت مشغولة تماما في التفكير في حتمية كتابة رواية. لم يكن لدي الفكرة الرئيسية التي قد تنتج الكتاب الجبار الأكثر مبيعا الذي سيتحدث عنه كل الأشخاص، مثل ما فعلت الكاتبة الأمريكية إيمي تان مع كتابها الأول، على سبيل المثال. فبالكاد تم بيع الكتاب، ولم يسمع به أحد – بالرغم من إنه حاز على جائزة الحاكم العام. قد تذهب إلى المكتبات لتسأل عنه، ولن تعثر عليه.

المحاور: هل يعني النقاد كثيرا لك؟ هل تعلمتي منهم يوما شيء ما؟ هل شعرتي بإساءتهم إليك؟
مونرو: نعم ولا، لأن في الحقيقة لن يمكنك تعلم الكثير من النقد، ومع ذلك يمكنك أن تشعر بإساءة بالغة. فهناك احساس بالخزي العام إزاء النقد السيء. حتى إذا لم يكن الأمر يعنيك، كان من الممكن تحيتك بدلا من صيحات الاستهجان التي قد تنزلك من على المسرح.   

المحاور: هل نشأتي كقارئة كبيرة؟ وأي عمل كان له تأثير؟
مونرو: كانت القراءة هي حياتي حتى وصلت إلى الثلاثين من عمري. كنت أعيش بين طيات الكتب. كُتاب جنوب أمريكا كانوا أول من استطاعوا تحريكي لأنهم وضحوا لي ان في امكاني الكتابة عن البلدات الصغيرة، والريفيين، وهذا الجانب من الحياة الذي أعرفه جيدا. لكن هناك شيء ما حول كُتاب جنوب أمريكا لفت انتباهي، بدون أن أكون واعية له، كان أن كل كُتاب الجنوب الذين أحببتهم كن من السيدات. لم أستسيغ كتابات فوكنر كثيرا. أحببت يودورا ويلتي، فلانري أوه كونر، كاثرين أن بورتر، كارسون ماكللرز. كان هناك شعور أن السيدات في إمكانهم الكتابة عن الأمور الغريبة ذات النزوات الهامشية.    

المحاور: تلك الأمور التي كتبتي عنها دائما أيضا.
مونرو: نعم. لقد بدأت أشعر أنها كانت منطقتنا، في حين أن الرواية الكبيرة الدارجة حول الحياة الحقيقية كانت منطقة الرجال. لا أعرف كيف حصلت على هذا الشعور كوني على الهامش، لم يكن هذا ما دُفعت نحوه. ربما حدث هذا بسبب نشأتي على الهامش. أدرك أن هناك شيء ما حول الكُتاب العظماء أنا بعيدة عنه، لكني لم أعرف تماما ماهيته. لقد كنت مضطربة للغاية عندما قرأت لأول مرة للكاتب الانجليزي ديفيد هربرت لورانس. لطالما كنت ارتبك عادة من رؤية الكُتاب للنشاط الجنسي الأنثوي. 

المحاور: هل تستطيعي وضع يدك على ما كان يزعجك بالضبط؟
مونرو: لقد كان: كيف يكون في استطاعتي الكتابة وأنا المادة الرئيسية للكُتاب الآخرين؟

المحاور: ما رأيك في الواقعية السحرية؟
مونرو: لقد أحببت مائة عام من العزلة للغاية. أحببتها بالفعل، لكن لا يمكن تقليدها. إنها تبدو عمل سهل لكنها ليست كذلك. كان رائع حين حمل النمل الطفل، وعندما صعدت العذراء إلى السماء، وعندما مات البطريرك، وعندما أمطرت أزهار. لكن هناك صعوبة لإنجاز تلك الرواية بنجاح كما أنها لا تقل إدهاشا عن رواية ويليام ماكسويل "إلى اللقاء، أراك غدا"، حيث كان الكلب هو الشخصية. وتعامله مع المادة الرئيسية التي ربما كانت تافهة لكنه استطاع أن يجعل منها شيء رائع. 

المحاور: بعض قصصك الحديثة يبدو بها تغيير في الاتجاه.
مونرو: منذ حوالي 5 سنوات، عندما كنت لازلت أعمل على القصص التي كانت في "صديق شبابي"، أردت أن أكتب قصة مع وقائع متعاقبة. وقاومت ذلك لأني شعرت بالقلق حيال أن ينتهي بي الأمر إلى شيء ملتبس بين أمرين مختلفين. أتعرف، حقا شيء سخيف. لقد أصبت بهلع من ذلك. لكني كتبت "الرحيل بعيدا"، ولقد واصلت العبث معها وكتبتها بنهاية سحرية. ربما هذا شيء يحدث مع التقدم بالسن. تغيير التصورات حول ما يكون ممكنا، حول ما حدث – ليس فقط ما يمكن أن يحدث لكن ما حدث بالفعل. لدي كل هذه الوقائع المنفصلة في حياتي الخاصة، وأراهم في حياة الأشخاص الآخرين. وهذا كان أحد المشكلات – لماذا لا أستطيع أن أكتب رواية، لم أر أبدا الأشياء المرتبطة بشكل جيد جدا.   

المحاور: وماذا عن إيمانك وثقتك؟ هل تغير على مدار السنين؟
مونرو: في الكتابة، كان دائما لدي الكثير من الايمان، مختلط مع رهبة من أن هذا الايمان/الثقة كليا ليس في محله. أعتقد بطريقة ما أن ثقتي أتت فحسب من كوني مغفلة. لأني عشت بعيدا عن الأمور السائدة، لم أدرك أن السيدات لا يصبحن كاتبات بسرعة مثل الرجال، وكذلك الأشخاص من الطبقات الأدنى. في البلدات، بإمكانك الكتابة جيدا وبالكاد تقابل شخص ما يقرأ مثلك أيضا، فتشعر بالتأكيد أنه هدية نادرة.   

المحاور: انتِ خبيرة في تجنب العالم الأدبي. هل تقومي بذلك بشكل واع أم بشكل عرضي؟ 
مونرو: كان هذا بشكل عرضي لفترة زمنية طويلة، ثم أصبح الأمر اختيار. أعتقد أني الشخص الودود غير الاجتماعي جدا. بشكل أساسي لأني امرأة، وربة منزل، وأم، أردت ان أوفر الكثير من الوقت. وقد ترجم هذا على إني فزعة منه. قد أكون فقدت ثقتي. قد أسمع الكثير جدا من الكلام الذي لن أفهمه.  

المحاور: لذلك فإنك سعيدة لكونك بعيدة عن الكتابة السائدة؟
مونرو: ربما يكون هذا ما أحاول قوله. من المحتمل ألا أكون نجوت على خلاف ذلك. ربما كان ذلك خسارة لثقتي حين كنت مع أشخاص في مقدورهم الاستيعاب أكثر مني فيما يخص عملهم. وحديثنا الطويل عن هذا. والثقة في نهجهم حيث وجود أرضية صلبة لعملهم أكثر من خاصتي. لكن، من الصعب التحدث حول الكُتاب – من الواثق؟.

المحاور: هل تسامح المجتمع الذي نشأت به مع مهنتك؟
مونرو: كانوا يعرفون هنا أن هناك قصص نُشرت هنا وهناك، لكن كتاباتي لم تكن فاخرة. ولم تلق استحسانا جيد في بلدتي. الجنس، اللغة السيئة، الغموض... وطبعت الجرائد المحلية افتتاحية عني: الرؤية المنطوية الفظة للحياة... ومشروع تشويه الهوية الذاتية حول... كان والدي قد مات بالفعل عندما حدث ذلك. لما كانوا يجرأوا على كتابة ذلك لو بقى والدي على قيد الحياة، لأنه كان محبوب من الجميع. كما كان يحظى بإحترام الجميع. لكن بعد وفاته، أصبح الأمر مختلف.

المحاور: لكن هل أحب عملك؟
مونرو: لكنه أحب عملي، نعم، وكان فخور للغاية به. لقد كان يقرأ كثيرا، لكنه كان دائما يشعر ببعض الحرج فيما يخص القراءة. ثم ألف كتاب قبل رحيله مباشرة ونُشر بعد وفاته. كانت رواية حول عائلات رائدة في جنوب غرب البلاد، وتقع أحداثها في الفترة قبل ميلاده، وتنتهي وهو لايزال في طفولته. لقد كان حقا كاتبا موهوبا.

المحاور: هل يمكنك اقتباس فقرة لنا؟
مونرو: وصف في أحد الفصول هيئة المدرسة بالنسبة للصبي الذي عاش في وقتا أبكر مما عاش هو: "على الحوائط الأخرى كان هناك بعض الخرائط البنية الباهتة. وأماكن مثيرة للاهتمام مثل مانغوليا واضحة للعيان، حيث المواطنون المبعثرون الذين يتجولون في معاطف من جلد الغنم على المهور الصغيرة. كان قلب أفريقيا فراغ رُسم عليه فحسب التماسيح الفاغرة فمها والأسود التي تصطاد الزنوج بحوافرها الضخمة. في مركز كل هذا كان السيد ستانلي يلقي التحية على السيد ليفنجستون، وكلاهما يرتديان قبعات قديمة"     

المحاور: هل تعرفت على أي شيء يخص حياتك الخاصة في روايته؟
مونرو: ليست حياتي الخاصة، لكن تعرفت على الكثير من أسلوبي. زاوية الرؤية التي لم تذهلني لأني عرفت أن لدينا شيء مشترك.

المحاور: هل قرأت والدتك أيا من أعمالك قبل وفاتها؟
مونرو: لم تكن أمي لتحب أعمالي. لا أعتقد ذلك – خاصة الجنس والكلمات السيئة. إذا كانت مازالت على قيد الحياة، كنت سأضطر إلى خوض صراع عنيف وإحداث فجوة بيني وبين العائلة حتى استطيع نشر أي شيء.

المحاور: وهل تعتقدي أنك فعلتي ذلك؟
مونرو: اعتقد ذلك، نعم، لأن كما قلت آنفا كنت حينها قاسية القلب وعنيدة. الحنان الذي أكنه اليوم نحو أمي، لم أشعر به منذ فترة طويلة. لا أعرف كيف سأشعر إذا قامت واحدة من بناتي بالكتابة عني. إنهن الآن في العمر حيث في إمكانهن كتابة أول رواية لهن حول طفولتهن. أن تكون مجرد شخصية في كتاب كتبه أحد أطفالك، لابد أنها تجربة مرعبة لتمر من خلالها. يكتب الناس بلامبالاة عن الأمور الجارحة لاستعراض الماضي مثل، حسنا، هذا والدي الذي كان مزارع ذكي بائس، وأشياء مثل هذه، تنعكس على الفقر. قامت كاتبة نسوية بتفسير شخصية "أبي"، في قصة "حياة الصبايا والنساء"، تفسير ذو طابع السير الذاتية الموثقة. فلقد حولتني لشخص آخر آتى من هذه الخلفية البائسة، لأن لدي "أب عاجز". كانت أكاديمية في جامعة كندية، وكدت أجن، وحاولت أن أعرف كيف اقاضيها. كنت أستشيط غضبا. لم أكن أعرف ماذا أفعل ثم فكرت أن الأمر سيان عندي، لدي كل هذا النجاح، وفوق كل هذا فإن أبي يبقى أبي. لقد رحل الآن. هل سيُعرف بأنه أب عاجز بسبب ما فعلته به؟  ثم أدركت إنها نشأت في جيل أصغر من الأشخاص الذين تربوا في مناخ اقتصادي مختلف تماما. فلقد عاشوا في حالة رفاهية إلى حد ما وحصلوا على التأمين الصحي. أنهم ليسوا واعيين للضرر مثل المرض الذي قد تعاني منه أسرة. ولم يمروا أبدا بضائقة مالية. فينظرون للأسر الفقيرة ويفكرون أن هذا اختيارهم. فعدم الرغبة في تحسين نفسك هو استهتار، غباء أو ما شابه. لقد نشأت في منزل ليس به باب في المرحاض، وهذا أمر مروع بالنسبة لهذا الجيل، شيء جدير بالازدراء. في الحقيقة لم يكن الأمر كذلك، لقد كان ساحرا.

المحاور: لم نسألك عن يومك أثناء الكتابة. فعليا، متى تكتبي وكم يوم بالأسبوع؟
مونرو: أنا أكتب كل صباح، كل أيام الأسبوع. أبدأ في الكتابة في الساعة الثامنة صباحا وانتهي حوالي الحادية عشر ظهرا. ثم أمارس يومي بعمل أشياء أخرى، إلا إذا كنت بصدد مراجعة كتاباتي بشكل نهائي أو إذا كان هناك قصة أريد العمل عليها، في تلك الحالات قد أعمل طوال اليوم مع استراحات قصيرة.

المحاور: هل أنت صارمة بشأن هذا الجدول، حتى إذا كان هناك زفاف أو مناسبات اجتماعية أخرى؟
مونرو: لدى احساس قهري شديد فيما يخص عدد الصفحات. فإذا علمت أني سأذهب لمكان ما في يوم محدد، سأحاول كتابة عدد أكبر من الصفحات حتى لا يتأثر هذا اليوم. إنه أمر قهري جدا ومخيف. لكن الأمر لم يكن سهلا، وكأني سأخسر يوما ما. إنه شيء يتعلق بالشيخوخة. فالأشخاص يشعروا شعور قهري تجاه تلك الأشياء. الآن وسواسي القهري حول كم من الوقت أمضيه في المشي كل يوم. 

المحاور: وكم تمشي كل يوم؟
مونرو: أمشي ثلاث أميال كل يوم، وعندما أعرف اني سأفقد يوم، اضطر إلى قضاؤه. رأيت والدي يجرب نفس الشيء. فأنت تحمي نفسك، فإذا كان لديك كل هذا الطقوس والروتين فلا يوجد شيء قد يزعجك.

المحاور: بعد قضائك خمسة أشهر أو أكثر لتنهي قصة، هل تأخذي استراحة بعدها؟
مونرو: أمضي فورا للقصة التالية. لم أكن أفعل هذا عندما كان لدي اطفال ومسؤوليات أخرى، لكني في تلك الأيام مصابة بالهلع من مجرد فكرة التوقف – كما لو أن، إذا توقفت، فلابد أن أتوقف من أجل شيء أفضل. فلدي مخزون من الأفكار غير المنجزة. إلا إنها ليست الأفكار التي قد تحتاجها، وليست تقنية أو موهبة. فلابد من وجود نوع من الإثارة والإيمان لا استطيع أن أعمل بدونهم. هناك وقت حيث لم أفقد ذلك أبدا، وقد كان أمرا لا ينضب. الآن أحيانا يحدث بعض التغيير البسيط عندما أدرك ما سيكون عليه الأمر إذا فقدت هذا الإيمان ولا يمكنني حتى وصف ذلك. اعتقد أن وجود مثل هذا الإيمان يكون حيوي تماما لماهية تلك القصة. حتى أني لا أملك الكثير لأفعله حول ما إذا كانت القصة ستنجح أم لا. ما يحدث في الشيخوخة يمكنه أن يكون فحسب استنزاف للاهتمامات بطريقة أو بأخرى بشكل لا تتوقعه، لأن هذا في الأغلب يحدث مع الأشخاص الذين ربما لديهم الكثير من الاهتمامات والالتزامات بالحياة. أنه أمر مشابه أن تعيش لتنتظر الوجبة التالية. فعندما تسافر فإنك ترى ذلك في كثير من وجوه أشخاص في منتصف أعمارهم في المطاعم، الناس في نفس عمري – في نهاية منتصف العمر وفي بداية مراحل الشيخوخة. ترى ذلك، أو تشعر به كحلزون، هذا النوع من الضحكات الخافتة الذي يمكنك ملاحظاته خلال رؤيتك للمشهد. الشعور بأن إمكانية الاستجابة للأشياء تتوقف بشكل أو بآخر. أشعر الان بإمكانية الإصابة بإلتهاب مفاصل، لذلك لابد من ممارسة التدريبات ومن ثم لا أفعل. الآن أنا أكثر وعيا لإمكانية أن يضيع كل شيء، قد تفقد كل ما كان يملأ حياتك من قبل. ربما الاستمرار، من خلال المحفزات، يكون بالفعل هو السبب في منع ذلك من الحدوث. هناك أجزاء من القصة التي تُضعف القصة. ليس هذا هو ما أتحدث عنه. فالقصة تفشل لكن إيمانك بأهمية كتابة تلك القصة لا يضعف. وربما يكون هذا مكمن الخطر. وخاصة في الشيخوخة وهو فقد تلك الأشياء التي تستحق.      

المحاور: والمرء يتعجب من ذلك، لأن الفنانين يبدو أنهم يعملوا حتى النهاية.
مونرو: اعتقد أن من الممكن ألا تتوقف أبدا. ربما يجب أن تكون أكثر حذرا. الأمر الذي لم استطع أبدا التفكير في فقده خلال العشرون عام الماضية هو الايمان والرغبة. افترض أن هذا يشبه عدم الوقوع في الحب مرة أخرى أبدا. لكن يمكن أن تؤمن رغم ذلك، لأن الوقوع في الحب لا يكون بنفس ضرورة التحلي بالإيمان. أخمن أن هذا ما جعلني استمر. نعم، لم أتوقف ليوما واحد. مثل ممارستي للمشي كل يوم. فجسدي يفقد انسجامه إذا توقفت لأسبوع فحسب. لذلك لابد أن أكون حذرة طوال الوقت. بالطبع لن يكون أمرا هاما إذا استسلمت وتوقفت عن الكتابة. وهذا ما لم أكن أخشاه. بل كنت أخشى التوقف عن الإثارة، عن الشغف الذي جعلني أكتب. وهذا ما اتساءل حوله: ماذا يفعل الناس عندما تنتهي ضرورة عملهم؟ حتى الأشخاص المتقاعدون الذين يحصلون على دورات تدريبية ولديهم هوايات يبحثون عن شيء ما يملأ هذا الفراغ. أشعر بالرعب من الوصول لهذه المرحلة وأن تكون هذه هي حياتي. فالشيء الوحيد الذي لن يجعلني اضطر إلى ملأ حياتي هو الكتابة. لذلك لم أعرف كيف أعيش حياة بها الكثير من التنوع. الحياة الأخرى الوحيدة التي قد أتخيلها هي الحياة الجديرة بأحد العلماء، التي ربما تجعلني مثالية. 

المحاور: حياتهم مختلفة تماما أيضا، حياة ذات ممارسة مهنية واحدة بدلا من التسلسل. 
مونرو: أذهب وألعب جولف واستمتع به، ثم قم للعمل في البستنة، ثم دع الناس للعشاء، هكذا يكون التسلسل. لكني أفكر في بعض الأحيان ماذا لو توقفت عن الكتابة؟ ماذا لو نفذت؟ حسنا، اعتقد أني حينها سأبدأ في تعلم شيء آخر. لن يمكنك التحول من كتابة الأدب إلى كتابة المقالات وما شابه، لا أعتقد هذا. فكتابة أي شيء بخلاف الأدب أمر في غاية الصعوبة ومن متطلباته تعلم أمر جديدا كاملا، لكن ربما سأحاول ذلك. لقد حاولت عدة مرات تأليف كتاب، تلك الكتب التي يكتبها أي شخص حول عائلته. لكن لم يكن لدي أي إطار لذلك أو محور. 

المحاور: ماذا عن مقال "العمل من أجل العيش"، الذي ظهر في كتاب "قارئ الشارع النبيل"؟ يمكن قراءته كمذكرات.
مونرو: نعم. أود أن أكتب كتابا مؤلفا من مقالات وأضمه به.

المحاور: حسنا، ويليام ماكسويل كتب عن عائلته بهذه الطريقة في كتاب "الأسلاف"

مونرو: لقد أحببت هذا الكتاب، وسألته عنه. كان لديه الكثير من المادة الرئيسية ليكتبه. لقد فعل الشيء الذي عليك فعله، حيث حصل من تاريخ الأسرة على شيء كبير حدث في تلك الأيام. كما في حالته، إعادة احياء الأحدث الدينية الكاملة في أوائل القرن التاسع عشر، التي لا أعرف أي شيء عنها. لم أكن أعرف أن أمريكا بشكل عملي دولة ملحدة، ثم فجأة في جميع أنحاء البلاد بدأ الناس يسقطون بشكل غير منتظم. هذا كان رائعا. إذا حصلت على شيء من هذا القبيل، ثم وجدت الكتاب، قد يأخذ مني الأمر برهة. ومع التفكير سأفعل شيء ما مثل هذا. لكن تأتي فكرة قصة أخرى، وتبدو دائما أكثر أهمية، بالرغم من إنها مجرد قصة بالنسبة للأعمال الأخرى. لقد قرأت الحوار الذي جرى مع ويليام تريفور في نيويوركر، عندما قال شيء ما مثل، قصة قصيرة أخرى جاءت وكشفت صورة عن كيف تكون الحياة.

مونرو: لن أكتب رواية حقيقية أبدا

حوار أليس مونرو مع باريس ريفيو - 1994
الجزء 1

لا يوجد طيران مباشر من مدينة نيويورك إلى كلينتون، اونتاريو الكندية، حيث تعيش مونرو مونرو معظم أوقات العام. تركنا لاجوارديا مبكرا في أحد صباحات  شهر يونيو، واستأجرنا سيارة إلى تورنتو، وقودنا لمدة ثلاث ساعات في طرق أخذت تضيق بنا وتتحول للريفية. بقرب الغسق، وصلنا إلى منزل مونرو الذي تعيش فيه مع زوجها الثاني، جيري فرملين. للمنزل ساحة خلفية كبيرة وحديقة ذات أزهار غريبة الأطوار وكما وضحت لنا، فإنه المنزل الذي ولد به جيري. في المطبخ، كانت مونرو تعد وجبة خفيفة بأعشاب محلية عبقة. غرفة المعيشة مبطنة من الأرض للسقف بالكتب. في الجانب طاولة صغيرة فوقها آلة كاتبة يدوية. هنا تعمل مونرو مونرو.
بعد برهة من الوقت، اصطحبتنا مونرو إلى بلدة جودريتش الكبيرة، مركز المدينة، حيث أقمنا في فندق بيدفورد في الميدان المقابل للمحكمة. مبنى الفندق يعود إلى القرن التاسع عشر وغرفه مريحة (سريرين ولا يوجد مكيف). بدا لنا أنه ضم شخصيات من قصص مونرو مثل أمين المكتبة أو المعلم. خلال الأيام الثلاث التالية، تحدثنا في منزلها، لكن بدون شريط مسجل إطلاقا. فلقد أجرينا الحوار في غرفتنا الصغيرة بالفندق، لأن مونرو أرادت أن تبقى "العمل خارج المنزل". كلا من مونرو وزوجها نشآ على بعد 20 ميل من هذا المنزل الذين يعيشون به الان. يعرفا تقريبا تاريخ كل مبنى عبرنا من أمامه، أو أشدنا به أو تناولنا طعامنا بداخله. سألنا عن أي نوع من المجتمع الأدبي متاح في تلك المنطقة. بالرغم من وجود مكتبة هناك في جودريتش، إلا أنها أخبارتنا أن أفضل مكتبة قريبة كانت في ستراتفورد، على بعد حوالي 30 ميل. وعندما سألنا سواء كان هناك أي كُتاب محليين هنا، قادتنا مونرو إلى الوراء حيث منزل آيل للسقوط. هناك وجدنا رجل يجلس عاري الصدر منحنيا فوق آلة كاتبة، ومحاط بالقطط. قالت: "إنه هناك كل يوم، سواء كانت ممطرة أو مشمسة. أنا لا اعرفه، لكني سأموت فضولا لأكتشف ماذا يفعل".
في صباحنا الأخير بكندا بحثنا كثيرا عن المنزل الذي نشأت به مونرو مونرو. لقد بنى والدها المنزل وربى به حيوانات المنك. وبعد الكثير من الطرق المسدودة، استطعنا الوصول إليه. كان منزلا جميلا بُني بالقرميد في أقصى نهاية طريق المدينة في مواجهة حقل مفتوح حيث يقبع مطار به طائرة وحيدة يبدو إنها هبطت بشكل مؤقت. يمكنك من زاويتنا أن تتخيل بسهولة مدى إغواء النسيم، الطيار الذي أخذ الزوجة الريفية بعيدا، كما في "النفاية البيضاء"، أو رجل مخاطر الطيران الشاب الذي هبط في حقل مثل هذا في "كيف قابلت زوجي".
مثل ذلك المنزل، مثل مناظر انتاريو الطبيعية الشبيهة لوسط غرب أمريكا، لم تكن مونرو مهيبة. إنها لطيفة وفكاهية للغاية. كتبت سبع مجموعات قصصية، ومجموعة لم تنشر بعد بعنوان "الأسرار المشاعة"، ورواية واحدة هي "حياة الصبايا والنساء". حصلت على جائزة الحاكم العام (جائزة أدبية رفيعة بكندا). كما أن قصصها نُشرت بإنتظام في كتاب أفضل القصص القصيرة الأمريكية حيث قام الكاتب الأمريكي ريتشارد فورد مؤخرا بضم أثنان من قصصها إلى المجلد الذي قام بتعديله. وتم نشر قصصها في مجموعة القصص الفائزة بجائزة أوه. هنري. وتكتب دائما لمجلة نيويوركر. بالرغم من تلك الإنجازات الهائلة، إلا أن مونرو مازالت تتحدث عن الكتابة ببعض المهابة وعدم الاستقرار الذين يسمعهم المرء من خلال أصوات المبتدئين. فليس لديها براعة أو ثرثرة الكُتاب المشهورين، ومن السهل نسيان إنها هي مونرو . عندما تتحدث عن كتاباتها، تجعلها تبدو غير سهلة، لكن ممكنة. كما لو أن في إمكان أي شخص كتابة ما تكتبه إذا عمل بشكل كاف فحسب. عندما رحلنا، شعرنا أن عدوى الإمكانية انتقلت إلينا. تبدو كتاباتها سهلة لكنها تملك بساطة كاملة قد تأخذ العديد من السنوات والمسودات فقط لتستطيع ترويضها. وكما قالت الكاتبة الأمريكية سينتيا أوزيك "إنها تشيكوف الخاص بنا وفي مقدورها الصمود أكثر من معاصريها" 

المحاور: لقد ذهبنا إلى المنزل الذي نشأت به هذا الصباح، هل قضيت هناك طفولتك بالكامل؟
مونرو: نعم. عندما توفى والدي، كان لايزال يعيش في ذلك البيت في المزرعة، التي كانت مزرعة الثعالب وحيوان المنك. تغيرت كثيرا الآن. تحولت لصالون تجميل اسمه "التدليل الكامل". أعتقد أنهم أقاموه في الجزء الخلفي، لقد هدموا المطبخ بالكامل.

المحاور: هل كنتي هناك حتى حصول ذلك؟
مونرو: لا، لكني كنت أود رؤية غرفة المعيشة. كان هناك مدفأة بناها والدي وكنت أود رؤيتها. في بعض الأحيان أفكر في حتمية الذهاب إلى هناك وطلب وضع طلاء الأظافر. 

المحاور: لقد لاحظنا طائرة على الملعب عبر الطريق وفكرنا في قصصك "نفاية بيضاء" و"كيف قابلت زوجي"
مونرو: نعم، كان هذا مطار لبعض الوقت. الرجل الذي كان يملك هذه المزرعة كان لديه هواية تحليق الطائرات، وكان يملك طائرة صغيرة. لم يكن يحب العمل بالزراعة أبدا لذلك ابتعد عنها وأصبح مرشد طيران. مازال على قيد الحياة، وفي صحة جيدة وواحد من أكثر الرجال وسامة الذين قابلتهم يوما ما. تقاعد من مهنة مرشد الطيران عندما بلغ عامه الخامس والسبعون. بعد ثلاثة أشهر من تقاعده، ذهب في رحلة طيران وأصيب ببعض الأمراض الغريبة التي قد تصيبك من خفافيش الكهوف.

المحاور: قصص مجموعتك القصصية الأولى، "رقص الظلال السعيدة"، كانت صدى لتلك المنطقة، عالم طفولتك. في أي مرحلة من مراحل حياتك كتبت تلك المجموعة؟
مونرو: امتدت فترة كتابة تلك القصص إلى أكثر من 15 عام. وتعتبر "يوم الفراشة" هي أقدمهم. من المحتمل أن أكون كتبتهم عندما كنت في الواحدة والعشرين من عمري. أستطيع تذكر كتابة "الإمتنان للتوصيلة" جيدا لأن طفلتي الأولى كانت نائمة في سريرها بجانبي. لذلك أتذكر عمري وقتها. أما القصص المتأخرة الأخرى كتبتها حين كنت بالثلاثينات. "رقص الظلال السعيدة" واحدة، "السلام في أوترخت" واحدة أخرى. "خيالات" هي آخرهم. "الأخوة واكر رعاة البقر" كتبت أيضا بعد بلوغي الثلاثين. لذلك فإن مدى كتابتهم طويل للغاية.    

المحاور: كيف يبدو صمودها الآن؟ هل حاولتي قراءتهم مرة أخرى؟
مونرو: هناك قصة كتبت في بداية هذه المجموعة تُسمى "المنازل المتألقة"، اضطررت إلى إعادة قراءتها في هاربورفرونت بتورنتو منذ عامين أو ثلاثة، حيث كنت بصدد حضور احتفالية خاصة بتاريخ المجلة الأدبية الكندية Tamarack Review. كانت قد نُشرت في أحد الأعداد الأولى لهذه المجلة. كان الأمر في غاية الصعوبة. أعتقد أني كتبت تلك القصة عندما كنت في الثانية والعشرين من عمري. وظللت أعدل بها كلما قرأت. أمسكت بكل الحيل التي استخدمتها في ذلك الوقت والتي تبدو الآن قديمة للغاية. حاولت إصلاحها بسرعة. وتثب عيني على المقطع التالي بينما أقرأ، لأني لم لأقرأ منذ زمن. لم يسبق لي أبدا قراءة قصص قديمة. عندما أقرأ قصة كُتبت منذ زمن، أرى أشياء لم أعد أمارسها الآن، أشياء كان يفعلها الأشخاص في الخمسينيات.

المحاور: هل قمت من قبل بتعديل قصة لك بعد أن تم نشرها؟  فلقد قام (بروست) قبل وفاته بإعادة كتابة المجلدات الأولى من "البحث عن الزمن المفقود".
مونرو: نعم. كما قام هنري جيمس أيضا بإعادة كتابة كتابات له بسيطة ومفهومة فباتت ملتبسة ومعقدة. في الحقيقة، لقد فعلت هذا مؤخرا. في قصة "الرحيل بعيدا" التي كانت ضمن أفضل القصص الأمريكية القصيرة في عام 1991. أعدت قراءتها مرة أخرى في مجموعة مختارات أدبية لأني أردت معرفة ما كانت تبدو عليه ووجدت مقطع اعتقدت إنه لزج للغاية. كان مقطع قصير لكنه في غاية الاهمية، ربما كان جملتين فقط. أخذت قلمي وأعدت كتابته على هامش المجموعة وبذلك احتفظت به لأتذكر معالجتها حين أنشر القصة في هيئة كتاب. لقد قمت دائما بعمل تعديلات في المرحلة التي أستطيع فيها رؤية الأخطاء لأني لم أعد داخل إيقاع القصة. فأرى جزء صغير من الكتابة لا يبدو إنه كُتب كما يجب أن يكون عليه العمل، وفي النهاية أكون متحمسة بطريقة ما. لكن أخيرا عندما أقرأ القصة مرة أخرى تبدو لي مزعجة قليلا. لذلك أشعر ببعض الحيرة. ربما يكون الحل أن نتوقف عن هذا السلوك. لابد أن يكون هذا كما لو أن الطريقة التي تتبعها مع طفل ما، لم تعد مجدية بعد الآن.

المحاور: لقد ذكرتي أنك لا تسمحي للأصدقاء أن يروا أعمالك قبل انتهائها.
مونرو: لا، أنا لا اسمح لأحد أبدا بالاطلاع على أعمالي قبل انتهائها.

المحاور: إلى أي مدى تعتمدي على المحررين؟
مونرو: كانت مجلة نيويوركر هي أولى تجاربي مع المحررين الجادين. قبل ذلك، كان هناك تعديلات مع اقتراحات قليلة – ليست ذو أهمية. كان هناك اتفاقية بيني وبين المحرر حول التعديلات التي يمكن اجراءها. لكن عندما أصادف محرر يعتقد أن قصص ويليام ماكسويل، على سبيل المثال، تافهة، لن يكون ذا أهمية بالنسبة إلي. لابد أيضا أن يكون لديه أعين ثاقبة ليرى الطرق التي قد أُضل بها. كان شيب ماجراس من مجلة نيويوركر أول محرر أعمل معه، كان جيد للغاية. لقد كنت مندهشة من قدرة شخص ما على النظر بعمق داخل ما أردت قوله. في بعض الأحيان لم نفعل الكثير، لكن من آن لآخر كان يعطيني توجيهات كثيرة. أعدت ذات مرة كتابة قصة بعنوان "موسم الديك الرومي"، التي قام بشرائها من قبل. اعتقدت انه سيقبل ببساطة النص الجديد لها لكنه لم يفعل. قال لي: "حسنا، أفضل بعض الأجزاء في النص الجديد، وأفضل بعض الأجزاء في النص القديم أيضا، لماذا لم نبحث التعديلات سويا؟" بعدها وضعنا التعديلات معا وحصلنا على قصة أفضل بهذه الطريقة، على قدر اعتقادي.

المحاور: كيف كان هذا الإنجاز؟ عبر الهاتف أو بالبريد الإلكتروني؟ هل ذهبتي يوما إلى مجلة نيويوركر وتقابلتما. 
مونرو: كان عبر البريد الإلكتروني. نحن بيننا علاقة هاتفية خصبة، لكننا لم نرى بعضنا سوى مرات قليلة.

المحاور: متى نشرت في مجلة نيويوركر أول مرة؟
مونرو: كانت قصة "هزائم ملكية" أولى قصصي التي نشرتها هناك، كان هذا في عام 1977. لكني أرسلت جميع قصصي الأولى إليها في الخمسينات. ثم توقفت عن الارسال لفترة طويلة وأرسلت فحسب لمجلات بكندا. أرسلت لي نيويوركر ملاحظات مهذبة بالرغم من إنها – مبدئيا، غير رسمية، فإنهم لم يقوموا أبدا بتوقيعها. ولم تكن مشجعة للغاية. مازلت أذكر واحدة منهم: الكتابة أنيقة جدا، لكن الفكرة الرئيسية مألوفة قليلا. كانت قصة حب بين شخصين عجوزين. العانس العجوز التي أدركت أن كل هذا الحب من أجلها عندما عرض مزارع عجوز عليها الزواج. لدي في قصصي الكثير من العجائز العوانس. كانت تُدعى "يوم تورد أزهار النجمية". كانت حقا مروعة. ولم أكتب هذا عندما كنت في سن المراهقة؛ لقد كنت في الخامسة والعشرين من عمري. تساءلت لماذا كتبت عن العوانس العجائز. لم أعرف أبدا.          

المحاور: لقد تزوجت في سن صغيرة. إذن لم تكوني متوقعة أن تمضي في حياتك كعانس عجوز.
مونرو: أعتقد أني أدركت من صميم قلبي أني عجوز عانس.

المحاور: هل كنتي دائمة الكتابة؟
مونرو: منذ وصولي للصف السابع أو الثمان.

المحاور: هل بدأتِ في الكتابة بجدية بعد ذهابك إلى الجامعة؟
مورنو: بالطبع، لم يكن لدي فرصة أن أكون أي شيء آخر لأني لم أكن أملك المال. لقد عرفت أني سأكون فقط في الجامعة لمدة سنتان لأن المنحة المتاحة في ذلك الوقت كانت تدوم لعامين فحسب. كانت هذه عطلة حياتي ووقت رائع. لقد كنت مسئولة عن المنزل في الوطن عندما كنت في فترة مراهقتي، لذلك كانت الجامعة هي الوقت الوحيد في حياتي بأكملها الذي لم أكن مضطرة به أن أقوم بالأعمال المنزلية.

المحاور: هل تزوجت مباشرة بعد هذان العامان؟
مورنو: لقد تزوجت مباشرة بعد العام الثاني. كنت في العشرين من عمري. ذهبنا إلى فانكوفر بكندا. كان أمرا عظيما أن تكون متزوجا – مجازفة وخطوة كبيرة. أكثر ما يمكننا الحصول عليه والمكوث في الوطن. لقد كنا فقط في بداية العشرينات. وقمنا على الفور بتتبع شكل مناسب للغاية لأسلوب حياة الطبقة الوسطى. فكرنا أن نبتاع منزلا وإنجاب طفلا، وقد فعلنا هذا بدون إبطاء. لقد أنجبت طفلي الأول وأنا لا أزال في الواحدة والعشرين من عمري.

المحاور: وكنتي تكتبين خلال كل هذا؟
مونرو: كنت أكتب في عجالة طوال فترة حملي لأني اعتقدت أني لن اكون قادرة أبدا على الكتابة بعد ذلك. كل حمل حفزني لأن أنجز شيء ما ضخم قبل حضور الطفل. لكن في الحقيقة، لم انجز أي شيء كبير بالفعل.

المحاور: في "الإمتنان للتوصيلة"، قمت بالكتابة من وجهة نظر صبي من المدينة قاسي القلب حيث كان يلتقط فتاة فقيرة من البلدة لمدة ليلة ويقيم معها علاقة وبنجذب إليها بالتبادل ويشمئز من فقر حياتها. يبدو هذا لافت للنظر أن تأتي مثل هذه القصة أثناء الوقت الذي تكون فيه حياتك مستقرة ومناسبة. 
مونرو: أتى صديق لزوجي ليزورنا في الصيف أثناء فترة حملي في طفلتي الأولى. وبقى معنا شهر أو أكثر. كان يعمل لدى المجلس القومي للسينما. كان يشارك في صنع فيلم هناك. أخبرنا بالكثير من الأشياء – لقد أجرينا حديثا كما تفعل الآن، بشكل شيق عن حيواتنا. حكى قصة عن التواجد في بلدة صغيرة بخليج جورجيان والذهاب في نزهة مع فتاة محلية. كان هذا صادم لصبي من الطبقة الوسطى. كان شئ مألوفا تماما لي لكنه على العكس بالنسبة له. لذلك أردت التوحد بشدة مع الفتاة ومع أسرتها ومع موقفها، وأعتقد اني كتبت تلك القصة بعد ذلك بفترة قليلة لأن طفلتي كانت تنظر إلي من سريرها.    

المحاور: كم كان عمرك عندما نُشر أول كتاب لك؟
مونرو: كنت في السادسة والثلاثون تقريبا. لقد كتبت هذه القصص عبر السنين وأخيرا قام محرر من Ryerson Press، دار النشر الكندية التي اندمجت في ماكجرو-هيل لاحقا، بالكتابة لي وسؤالي إذا ما كان لدي قصص كافية لطباعة كتاب. لقد كان في طريقه لوضع قصتي في كتاب مع كاتبين أو ثلاثة آخرون. فشل هذا، لكنه ظل محتفظا بعدد من قصصي. ثم استقال ومررني لمحرر آخر، الذي قال "إذا استطعت كتابة ثلاث قصص أخرى، سيكون لدينا كتاب". وبذلك كتبت "خيالات" و"الأخوة واكر رعاة بقر" و"بطاقة بريدية" أثناء العام الأخير قبل نشر الكتاب.

المحاور: هل قمت بنشر تلك القصص في المجلات؟
مونرو: معظمهم تم نشرهم في مجلة Tamarack Review. كانت مجلة صغيرة أنيقة وجريئة للغاية. أخبرني المحرر إنه كان المحرر الوحيد في كندا الذي عرف كل قراءه بأسمائهم الأولى.

المحاور: هل خصصت يوما وقت محدد للكتابة؟
مونرو: عندما كان الأطفال صغارا، كان الوقت المتاح هو وقت ذهابهم للمدرسة. لذلك عملت بكد في تلك السنوات. امتلكنا أنا وزوجي مكتبة لبيع الكتب. حتى أثناء عملي هناك، كنت أمكث في المنزل حتى فترة الظهيرة. كان من المفترض أن أقوم بالأعمال المنزلية، ثم أكتب بعد الانتهاء. في وقت لاحق، عندما توقفت عن العمل بشكل يومي بالمكتبة، كنت أكتب حتى عودة الجميع إلى المنزل من أجل الغداء، ثم بعد خروجهم مرة أخرى ربما حتى الثانية والنصف. كان لدي فسحة من الوقت لاحتساء كوب من القهوة والبدء في الأعمال المنزلية، في محاولة للانتهاء منها قبل حلول الأصيل.

المحاور: وماذا عن الوقت الذي كانت فيه الفتيات أصغر من عمر الذهاب للمدرسة؟
مونرو: كنت أقوم بالكتابة أثناء نومهم في القيلولة.

المحاور: تكتبي وهم في نوم القيلولة؟
مونرو : نعم، من الواحدة حتى الثالثة بعد الظهر. كتبت العديد من المقاطع التي لم تكن جيدة، لكني كنت أنتج بغزارة مقبولة. في العام الذي كتبت فيه كتابي الثاني، "حياة الصبايا والنساء"، كنت أنتج بشكل هائل. كان لدي أربع أطفال لأن إحدى صديقات بناتي كانت تعيش معنا، وكنت أعمل بالمكتبة ليومين في الأسبوع. اعتدت أن أعمل حتى الواحدة صباحا وأستيقظ في السادسة. أتذكر أني كنت أفكر إني على وشك الاحتضار. كان التفكير في احتمالية إصابتي بأزمة قلبية أمر مفزع. كنت حينذاك في التاسعة والثلاثون من عمري، لكني بقيت أفكر في هذا. ثم قلت لنفسي دعيني أكتب العديد من الصفحات الآن ثم نرى كيف ستكون. كان هذا سباق متهور نوعا ما. لم يعد لدى هذه الطاقة الآن.

المحاور: ما كان نهج كتابة هذا الكتاب؟
مونرو: أتذكر اليوم الذي بدأت فيه كتابة هذا. كنا في يناير، يوم الأحد. خرجت إلى المكتبة، التي لم تكن تفتح أبوابها أيام الآحاد، وحبست نفسي بداخلها. ثم قال زوجي انه سيحضر العشاء، لذلك لم يكن لدي سوى فترة الظهيرة. أتذكر نظرتي إلى كل الأدب العظيم حولي وفكرت، أنتِ حمقاء! ماذا تفعلين هنا؟ بعدها توجهت إلى المكتب وبدأت كتابة جزء تحت عنوان "الأميرة أيدا"، التي كانت حول أمي. الفكرة الرئيسية التي تدور حول أمي هي الفكرة الرئيسية للحياة. اعتبرت أن هذا من أكثر الأمور سرورا بالنسبة لي. قلت لنفسي إذا استرخيت فحسب، ستقومِ بإنتاج شيء عظيم. لذلك، بمجرد شروعي في كتابة ذلك، انفصلت تماما عن ما حولي. ثم ارتكبت خطأ فادح. حاولت أن أجعله رواية مرتبة، رواية اعتيادية من ذلك النوع من المراهقة الطفولية. بحلول شهر مارس وجدت أن هذا لا يجدي نفعا. لم أكن استشعره، وفكرت أن علي التخلي عن ذلك. كنت محبطة للغاية. ثم جاءتني فكرة أن ما عليَ فعله هو تجزئته ثم وضعه في إطار قصصي. ثم سأستطيع أن أتعامل معها. وبذلك تعلمت أني لن أكتب رواية حقيقية أبدا لأني لا أفكر على هذا النهج.

المحاور: تعتبر قصة "المتسولة العذراء"، أيضا، شكل من أشكال الرواية لإنها تربط العديد من القصص ببعضها البعض.
مونرو: لا أريد أن ننتقد الأشياء بشكل مبالغ به هكذا، لكن غالبا أردت أن أكتب سلسلة أخرى من القصص. في كتابي الجديد، "الأسرار المشاعة"، هناك بعض الشخصيات التي تعاود الظهور. بي دود في قصة "الفنداليين" تم ذكرها كفتاة صغيرة في "الرحيل بعيدا"، وهي القصة الأولى التي كتبتها للمجموعة. بيللي دود هو ابن أمين المكتبة، تم ذكرهم في "هبوط السفينة الفضائية". لكن علي ألا أترك هذا النوع من الخطط يُلحق بالقصص نفسها. فإذا قمت بكتابة قصة ما تناسب واحدة أخرى، فاعتقد اني أقوم بشيء خاطئ. لذلك لا أعرف، لن أعود لكتابة هذا الشكل من السلاسل القصصية مرة أخرى أبدا، بالرغم من اني أحببت الفكرة. قالت الكاتبة كاثرين مانسيفلد شيء ما في إحدى خطاباتها مثل، "أوه، أتمنى أن أكتب رواية، أتمنى ألا أموت تاركة كل هذا الفتات والأجزاء". من الصعب بشدة أن تفصل نفسك بعيدا عن تلك الفتات والأجزاء وتشعر أن كل ما ستتركه ورائك قصص مبعثرة. أنا على يقين أن في إمكانك التفكير في تشيكوف لكن يبقى كل شيء كما هو.

المحاور: وتشيكوف نفسه كان دائما يريد كتابة رواية. كان ينوي أن يطلق عليها "قصص من حياة أصدقائي"
مونرو: أنا على علم بذلك، وأعرف ماهية الشعور الذي قد يجعلك تعتقد بأنه يمكنك أن تقوم بمثل هذا الإنجاز عن طريق وضع كل شيء في سلة واحدة.

المحاور: عندما تشرعت في كتابة قصة هل كنتِ على علم بالفعل بأحداثها كلها؟ هل كانت مخططة كلها بالفعل؟ 
مونرو: ليس تماما. أي قصة تبدو جيدة، غالبا يتم تعديلها. حاليا بدأت في كتابة قصة ضعيفة. كنت أعمل عليها كل صباح، إنها لزجة للغاية. فأنا حقا لا أحبها، لكن ربما، في نقطة ما، سأستغرق بها. عادة أكون على دراية بالكثير من المعلومات عن القصة قبل أن أشرع في كتابتها. عندما لا يتوفر لدي الوقت المستقر لأعطيه للكتابة، تقوم القصص بالعمل في رأسي لمدة طويلة حتى عندما أبدأ في الكتابة أغرق بداخلهم. الآن، أقوم بهذا بملأ الدفاتر بأفكاري.

المحاور: هل تستخدمين الدفاتر؟
مونرو: لدى كومات من الدفاتر التي تحتوي على الكتابات غير المصقولة التي قمت بتسجيلها بشق الأنفس. في وسعها أن تحبطني تماما. دائما أتساءل، عندما أرى تلك المسودات الأولية، إن كان هناك غاية من وراء كل هذا. أنا في الاتجاه المقابل للكاتب ذو الموهبة الرشيقة، الشخص الذي يمكنه تحويل فكرته لكتابة. ليس في مقدوري استيعاب ذلك بسهولة. فأنا أفعل ذلك حين أبدأ في العمل. وغالبا ما اتجه الاتجاه الخاطئ ثم اسحب نفسي لطريق العودة.

المحاور: كيف تعرفين انك في الاتجاه الخاطئ؟
مونرو: قد أكتب بدون تردد في يوم ما ثم أفكر اني فعلت حسنا؛ لقد كتبت العديد من الصفحات أكثر من المعتاد. ثم أصحو في اليوم التالي أكتشف أني لم أعد أريد أن أعمل على تلك الصفحات مرة أخرى. عندما أجد نفسي أشمئز منهم، عندما أدفع نفسي دفعا لأستطيع الاستمرار، أعرف بشكل عام أن هناك شيء ما سيء قد حدث. غالبا، في حوالي ثلاثة أرباع ما أقوم به، أصل إلى نقطة ما، في وقت مبكر نسبيا، إلى الشعور إني على وشك أن أهجر تلك القصة. وأُدخل نفسي لمدة يوم أو يومين في اكتئاب مؤذ، وأتذمر في كل مكان. أفكر في شيء ما آخر لكتابته. إنه شيء ما يشبه العلاقات الغرامية: تحاول أن تخرج نفسك من كل خيبات الأمل والتعاسة فتخرج مع رجل لا تحبه على الإطلاق، لكنك لم تعرف ذلك بعد. ثم، فجأة تحضرني فكرة حول القصة التي تخليت عنها؛ وأرى كيف سأتعامل معها. لكن هذا يبدو إنه يحدث فحسب بعد قولي، "لا، لن يعمل هذا، أنسي الأمر تماما".

المحاور: هل في مقدروك دائما فعل هذا؟
مونرو: في بعض الأحيان لا أستطيع وأقضي يومي بأكمله في مزاج سيء. هذا هو الوقت الوحيد الذي أصبح به حادة الطباع. إذا تحدث إلي جيري أو استمر في الذهاب والمجيء عبر الغرفة أو أحدث ضجة في الجوار كثيرة، أشعر اني سأنفجر من الغضب. وإذا دندن أو فعل شيء مشابه، يكون الأمر مروعا. فأنا أحاول ان أفكر في شيء من البداية للنهاية، و لقد جريت لتوي داخل جدار من القرميد ولم أعبره. بشكل عام، سأفعل ذلك لبرهة من الوقت قبل أن أستسلم. وقد تستمر هذه العملية بالكامل لأسبوع. الوقت الذي تحاول التفكير به، وتحاول أن تسترد القصة، ثم تستسلم وتفكر بشيء آخر، ثم تعود إليه مرة أخرى، غالبا يأتي بغتة حين أكون في متجر الخضروات أو بالخارج أثناء القيادة. سأفكر في تعديل وجهة نظر فلان وفلان، وفي حتمية إزالة إحدى الشخصيات. وبالطبع يكون تغيير جذري.

المحاور: وهل هذا يخدم القصة؟
مونرو: لا أعرف حتى إذا كان هذا يجعل القصة أفضل. لكن ما تفعله هو جعلي قادرة في الاستمرار بالكتابة. هذا ما كنت أعنيه حين أخبرتك بإعتقادي أني لا أملك هذا الأمر العاطفي الذي يأتي ويُملي علي أوامره. أنا فقط أقوم بإمساك ما أرغب في كتابته بصعوبة بالغة وبالكاد.

المحاور: هل قمت قبل ذلك بتغيير المنظور أو الأسلوب؟
مونرو: بالتأكيد، في بعض الأحيان أكون مترددة، وأقوم بنقل البطل الأول ليكون الثالث مرارا وتكرارا. هذه أحدى مشاكلي الرئيسية. فأنا دائما أخلق بطل أول لأدخل نفسي في القصة ثم أشعر لأسباب ما أن هذا لن يُفيد. كما أني سريعة التأثر بالنقد تجاه ما تخبرني به شخصياتي حول ما يجب فعله في مرحلة ما. لا يحب وكيل أعمالي البطل الأول في "عذراء ألبانيا"، وجعلني أقوم بتعديلها. لكني عدت وعدلتها مرة أخرى ليصبح البطل الأول ثانية.

المحاور: كيف تدركين ما تفعلينه بوعي على مستوى الفكرة الرئيسية؟
مونرو: حسنا، لا يكون الأمر واعيا للغاية. بإمكاني رؤية الطرق الخاطئة التي تسلكها القصة. أرى الجوانب السلبية بشكل أسهل أكثر من الجوانب الإيجابية. فبعض القصص لا تعمل بشكل جيد مثل الاخرين، والبعض الآخر يكون أكثر مرحا في التصور أكثر من قصص أخرى.

المحاور: مرحا؟         
مونرو: إنهم يبدو مرحين بالنسبة لي. لم أشعر بإلتزام كبير ناحيتهم. لقد قرأت السيرة الذاتية للكاتبة الاسكتلندية موريل سباركس. وفي اعتقادها، لأنها مسيحية كاثوليكية، أن الخالق مؤلف عظيم. ومن الضروري لنا ألا نتولى السلطة، وألا نحاول كتابة الأدب الذي يتحدث عن معنى الحياة، إنما نحاول فهم ما يرمي إليه الرب. لذلك يكتب المرء للترفيه. اعتقد أن هذا ما ذكرته. أنا أكتب القصص أحيانا بهدف التسلية والترفيه.

المحاور: أيمكنك إعطاء مثال؟
مونرو: أفكر أن قصة "فندق جاك راندا" الذي أفضلها كثيرا، تعمل بشكل ترفيهي. أنا أريد ذلك أيضا، على أية حال. بالرغم من أن قصة مثل "صديق شبابي" ليست ترفيهية. فإنها تعمل بطريقة أخرى. ومكانتها لدي في أعمق المستويات.

المحاور: هل شعرت بالمعاناة أثناء كتابة تلك الكتابات التي تعتبريها "ترفيهية" كما شعرت أثناء مادتك الخام الرئيسية؟
مونرو: نعم، هذا حقيقي.

المحاور: هل هناك قصص لم تواجه أي صوبات إطلاقا أثناء كتاباتها؟
مونرو: في الحقيقة لقد كتبت "صديق شبابي" بسرعة كبيرة. واستوحيتها من قصة فكاهية. كان هناك شاب أعرفه كان يعمل بمكتبة في جودريتش وقام بالبحث عن شيء من أجلي. كان في منزلنا في ليلة ما وبدأ في الحديث عن جيران عائلته، الجيران الذين يعيشون في المزرعة التالية على الطريق. ويتبعون ديانة تمنعهم من لعب الورق. فيلعبون Crokinole، وهي عبارة عن لعبة ألواح. أخبرني عن ذلك، ثم سألته عن العائلة، وديانتهم، وكيف يبدون. فقام بوصفهم ثم أخبرني عن فضيحة الزواج: ظهر شاب وكان عضوا في كنيستهم وقام بخطبة الإبنة الكبرى. ثم يا للهول، أصبحت الإبنة الصغرى حبلى، لذلك تغير الزواج وتزوج الشاب الإبنة الصغرى. وعاشوا جميعا في نفس المنزل. الحكايات حول الأدوات لتصليح المنزل ودهانه كانت حقيقية أيضا. قام الزوجان بدهان النصف الخاص بهما، ولم تشارك الإبنة الكبرى وبذلك لم يُدهن سوى نصف المنزل فقط.     .

المحاور: هل كان هناك حقا ممرضة؟
مونرو: لا، لقد اختلقتها، لكني أخذت الإسم كمنحة. كان لدينا مناسبة لجمع الأموال بمسرح بلايث، على بعد حوالي 10 أميال من هنا. وساهم كل الأشخاص بشيء ليكون مزاد علني ونزيد الأموال. اقترح شخص ما فكرة أن في إمكاني المزايدة بشكل علني على حقي في الحصول على إسم صاحب العطاء الفائز ليكون إسم لأحد شخصيات قصتي الجديدة التالية. وقامت سيدة من تورنتو بدفع أربعة دولارات ليكون إسمها هو الفائز. كان اسمها أودري اتكينسون. وجاءتني الفكرة بغتة، إنها الممرضة! لم أسمع منها قط بعد ذلك. آمل إنها لم تمانع.

المحاور: ماذا كانت فكرة تلك القصة؟
مونرو: عندما بدأت في كتابة القصة، كنا في واحدة من رحلاتنا من أونتاريو إلى كولومبيا البريطانية. ننتقل إلى هناك كل عام في الخريف ونعود مرة أخرى في الربيع. لذلك لم أكن أكتب، لكن كنت أفكر في هذه العائلة في فنادق الطريق في الليل. ثم غلفتها قصة أمي الكاملة. ثم حكيت أنا قصة غلفت قصة أمي كذلك. وأدركت ما وصلت إليه من أحداث في النهاية. أود أن أقول أن هذه القصة جاءت بسهولة. لم تكن هناك أي صعوبات. فلقد اختلقت شخصية لأمي أحيانا، وعبرت عن مشاعري تجاهها، لم أكن في حاجة للبحث عنها. 

المحاور: لديك أمهات كثيرات في أعمالك. تلك الأم الاستثنائية ظهرت في قصص أخرى، وقد بدت حقيقية للغاية. لكن كذلك فعلت فلو زوجة والد روز في "المتسولة العذراء".
مونرو: لكن فلو لم تكن شخصية حقيقية. إنها شخصية شديدة الشبه بأشخاص أعرفهم، لكنها كانت واحدة من الشخصيات المركبة التي يتحدث عنها الكُتاب. اعتقد أن فلو كانت طاقة قوية لأني كتبتها عندما عدت للعيش هنا بعد ابتعاد دام ثلاث وعشرون عام. كل الأجواء الثقافية هنا صدمتني صدمة كبيرة. فلقد شعرت أن العالم الذي اعتدته، عالم طفولتي، قد اختف بمجرد عودتي ومواجهة الواقع، رغم إنه كان يكسو ذاكرتي بطبقة ملساء. كانت فلو تجسيد لهذا الواقع، جافة وفظة أكثر مما أتذكر.   

المحاور: تسافري كثيرا كما هو واضح، لكن يبدو أن عملك مطلع بشكل أساسي على الوعي القروي. هل تجدين هذه القصص التي تسمعيها هنا من حولك هي رجع صدى لك، أم قمتي باستخدامها مثل مادة رئيسية كثيرة من حياتك في المدن؟ 
مونرو: عندما تعيش في بلدة صغيرة تسمع الكثير من الأشياء، عن كل أنواع الناس. أما في المدينة فإنك تسمع قصص حول أشخاص مماثلين لك. لو أنت امرأة فهناك دائما الكثير من أصدقاءك. حصلت على قصة "بشكل مختلف" والكثير من "النفاية البيضاء"من حياتي في فيكتوريا. كما حصلت على قصة "انفجار" من حادث حقيقي ومريع حدث هنا – جريمة انتحار قام بها زوجان في عقدهما السادس. في المدينة، كنت سأقرأ عن ما حدث فقط في الصحف؛ ولم أكن لأعرف كل هذه التفاصيل.    

المحاور: ما الأسهل بالنسبة لك، أن تختلقين الأشياء أم تؤلفي بينهم؟
مونرو: أنا أكتب الكتابات الشخصية بشكل أقل الآن أكثر مما اعتدت لأسباب بسيطة ظاهرة. فأنت تستغل طفولتك، إلا إذا لم تعد قادرا، مثل ويليام ماكسويل، على العودة للوراء واكتشاف مستويات رائعة جديدة بها. فالمادة الخام العميقة الشخصية للنصف الثاني من حياتك هي طفولتك. يمكنك الكتابة عن والديك بعد رحيلهما، لكن أطفالك مازالوا هنا، وتنتظر منهم أن يأتوا ويقوموا بزيارتك في دار الشفاء. لذلك ربما من الأفضل أن تنتقل لكتابة القصص الأكثر تأملية.     

المحاور: بخلاف قصصك العائلية، يعتبر عدد من قصصك تاريخي. هل بحثت يوم عن هذا النوع من المادة الرئيسية، أم تنتظري ظهوره أمامك؟
مونرو: ليس لدى أي مشكلات في إيجاد المعلومات. أنا أنتظر حتى يأتوا. ويعد هذا إدارة للمعلومات التي تغمرني بجانب طرح المشكلة. أما بالنسبة للأجزاء التاريخية، فلقد اضطررت للبحث بعيدا عن الحقائق. أدركت منذ أعوام رغبتي في الكتابة حول إحدى الكاتبات الفيكتوريات، واحدة من مبدعات هذا المكان. لكني لم أستطع إيجاد مقطع شعري لهن كما أردت؛ كان كل هذا سيء لدرجة مثيرة للسخرية. كنت أريد شعرا بشكل أفضل مما هو عليه. لكن عندما لم أجد، قمت أنا بكتابته. عندما كنت أكتبه، اطلعت على العديد من الصحف التي جاءني بها زوجي من حولنا. كما ساعدني في إجراء بحث تاريخي حول مقاطعة هارون، الجزء الخاص بنا في اونتاريو. إنه عالم جغرافي متقاعد. وبذلك تكونت لدى صور جيدة جدا للبلدة التي أسميتها والي. حصلت أيضا على صور جيدة من قصاصات الصحف. وعندما احتجت للمزيد من الأبحاث، كنت أحيانا أكلف العامل بالمكتبة بجلبها من أجلي. كنت أطلب منه اجراء أبحاث حول السيارات القديمة أو شيء من هذا القبيل، أو شيء عن الكنيسة البروتستانينية في خمسينيات القرن التاسع عشر. إنه شخص رائع ويحب القيام بذلك.

المحاور: ماذا عن هؤلاء العمات الرائعات اللائي يظهرن؟
مونرو: أم عمتي الرائعة وجدتي كانوا في غاية الأهمية في حياتنا. أخيرا، عاشت أسرتي مغامرة مزرعة فرو الثعلب والمنك المتدهورة في منزل لطيف في أسوأ جزء بالبلدة. أما هم فلقد عاشوا في بلدة حقيقية ومنزل لطيف وواكبا الحضارة. لذلك كان هناك دائما توتر بين منزلهم ومنزلنا، لكن كان من المهم أن يكون لدي هذا. فلقد أحببت هذا عندما كنت فتاة صغيرة. ثم عندما وصلت لسن المراهقة، شعرت إنه حمولة أُلقيت عليَ. لم تكن أمي السيدة القائدة في حياتي في ذلك الوقت، بالرغم من إنها كانت تحظى بمكانة ذات أهمية كبيرة؛ إلا إنها لم تعد ذلك الشخص الذي يضع المعايير. لذا تحرك السيدات الأكبر عمرا ليأخذن هذا الدور، ومع ذلك لم يضعن أي معايير مثيرة لاهتمامي، كان هناك توتر دائم هناك وكان ضروريا  لي.       

المحاور: وهذا يعني أنك لم تنتقلي إلى البلدة كما فعلت الأم والأبنة في "حياة الصبايا والنساء"
مونرو: لقد فعلنا ذلك في شتاء واحد فقط. قررت أمي استئجار منزل في البلدة لمدة شتاء واحد، وقد فعلت. أقامت حفل غداء للسيدات هناك، حاولت الانخراط في المجتمع الذي كان مبهم تماما بالنسبة لها. لكنها لم تستطع. فليس هناك تفاهم. أذكر عودتي إلى منزل المزرعة الذي احتله الرجال، والدي وأخي، ولم يعد في مقدورك رؤية الرسومات الفنية على مشمع الأرضية. كما لو أن الوحل قد فاض في أرجاء المنزل.

المحاور: أهناك قصة أحببتها على عكس الآخرين؟ أهناك قصص لم يحبها زوجك؟
مونرو: لقد أحببت "القمر يتزلج في الشارع البرتقالي" كثيرا، لكن جيري لم يفعل. لقد كانت مستوحاة من حكايات سردها لي عن طفولته، لذلك أعتقد انه توقع أن تخرج القصة مختلفة تماما. ولأني خمنت أنه قد يحبها، فلم أعاني وخزا في ضميري. ثم قال لي، حسنا، ليست أفضل قصصك. وكانت هذه المرة الوحيدة التي واجهنا بها مشكلة بسبب كتاباتي. منذ ذلك الحين أصبح حريصا ألا يقرأ أي شيء من كتاباتي إلا إذا كنت في مكان ما بعيدا، وإذا أحبها سيخبرني، أو ربما لا يذكر أي شيء أمامي إطلاقا. أعتقد أن هذا هو النهج الذي لابد من اتباعه لإدارة الزواج.

المحاور: جيري من هذه المقاطعة، على بعد أقل من 20 ميل من المكان الذي نشأت به. هل كانت حكاياته وذكرياته أكثر نفعا من حكايات جيم، زوجك الأول؟
مونرو:  لا، جيم كان من مكان ما بالقرب من تورنتو. لكنه كان من خلفية مختلفة تماما. لقد عاش في بلدة ذات مستوى اجتماعي مرتفع حيث كان معظم الرجال يعملوا في تورنتو وكانوا محترفين. كتب الكاتب الأمريكي تشيفر عن بلدات مثل هذه حول نيويورك. لم أعرف أي شخص من هذه الطبقة الاجتماعية من قبل، لذلك كانت الطريقة التي يفكرون بها في الأشياء مهمة لي بشدة، لكنها لم تكن حكايات. اعتقد أني كنت شخص غير ودي لفترة طويلة جدا حتى استطعت تقديرها؛ كنت حينها يسارية. حيث الأشياء التي أخبرني بها جيري امتداد إضافي لكل الأشياء التي اتذكرها من نشأتي – رغم وجود اختلافات جوهرية بين حياة الصبي في البلدة وحياة الفتاة في المزرعة. أعظم جزء في حياة جيري قد يكون بين عمر السابعة والرابعة عشر، عندما طاف الصبية البلدة في هيئة عصابات. لم يكونوا مجرمين، لكنهم أشبعوا أنفسهم، مثل ثقافة المجتمع هناك. لم تكن الفتيات جزء من هذا، لم أفكر حتى في الأمر. لقد كنا دوما في حلقات صغيرة من الصديقات، لم نحصل على حريتنا إطلاقا. لذلك كنت راغبة في تعلم كل هذا.  

المحاور: كم عشت بعيدا عن تلك البلدة؟
مونرو: لقد تزوجت في نهاية عام 1951، وانتقلت للعيش في فانكوفر، ومكثت هناك حتى عام 1963. ثم انتقلت مرة أخرى إلى فيكتوريا حيث بدأنا مكتبتنا (مكتبة مونرو). ثم عدت مرة أخرى، اعتقد كان ذلك في صيف 1973. لقد مكثت في فيكتوريا عشر سنوات فحسب. وتزوجت لمدة عشرين عام.

المحاور: هل عدت مرة أخرى للشرق لأنك قابلت جيري أم من أجل العمل؟
مونرو: من أجل العمل، وكذلك لأني بقيت مع زوجي الأول في فيكتوريا لعشر سنوات. كان الزواج متوترا لمدة عام أو عامين. إنها مدينة صغيرة وفي مثل تلك المدن يكون لديك حلقة من الأصدقاء الذين يعرفون بعضهم البعض. وقد بدا لي أن إذا انهار الزواج، سيكون من الصعب العيش في نفس المحيط. اعتقدت أن هذا سيكون أفضل لنا. لكن بقى زوجي من أجل المكتبة. ثم حصلت على عرض عمل لتدريس الكتابة الإبداعية في جامعة يورك خارج تورنتو. لم أبق هناك كثيرا، لقد كرهت هذا العمل. وعلاوة على ذلك لم أكن أملك المال، لذلك استقلت.  

المحاور: لأنك لم تحبي تدريس الأدب؟
مونرو: لا، لم أحبه! لقد كان مريعا. كان هذا في عام 1973. كانت جامعة يورك واحدة من أكثر الجامعات الكندية تطرفا، وكان فصلي الدراسي كله من الشباب ماعدا فتاة واحدة بالكاد تتحدث. كانوا يفلعون ما كان موضة وقتها، أن تكون مبهما ومبتذل على حد السواء؛ كما إنهم كانوا غير متسامحين تجاه أي شيء مختلف. كان مناسبا لي تعلم كيف أصرخ مرة أخرى وأعبر عن بعض الأفكار حول الكتابة التي لم أعمل على تطويرها من قبل، لكني لم أعرف كيف أتواصل معهم، وكيف لا أكون عدوا لهم. ربما أعرف الآن. لكن بدا لي أنه شيء ليس له علاقة بالكتابة – مثل التدريب الجيد للظهور في التلفاز أو ما شابه، والارتياح بشدة للكليشيهات. كان من المفترض أن أكون قادرة على تغيير ذلك، لكني لم أستطيع. كان لدي طالبة واحدة لم تكن في فصلي الدراسي أحضرت لي قصة. أتذكر يومها الدموع التي انهمرت من عيني لأنها كانت بالفعل جيدة، ولأني لم أر قطعة بهذا الجمال كتبها طالب منذ الكثير من الوقت. وقد سألتني، كيف أستطيع أن انضم لفصلك الدراسي؟ فقلت، لا تفعلي! لا تقتربي من فصلي، فقط أحضري لي كتاباتك. أصبحت كاتبة في النهاية. كانت الوحيدة التي فعلت ذلك.

المحاور: هل هناك تكاثر لمدارس الإبداع الأدبي في كندا كما في الولايات المتحدة؟
مونرو: ربما ليس بالكم الكبير تماما. لا يوجد لدينا هنا شيء مثل برنامج (أيوا) للكتابة. لكن زادت مهن التدريس في أقسام الكتابة. لبرهة من الوقت شعرت بالأسف تجاه هؤلاء الأشخاص لإنهم لم ينشروا أعمالهم. حقيقة إنهم يكسبون من المال ثلاثة أضعاف ما تحصلت عليه يوما لن تؤثر فيَ.

المحاور: يبدو أن الأغلبية الكبيرة من قصصك تدور في اونتاريو. هل تختاري أن تعيشي هناك الآن، أم إنها كان ظرف؟

مونرو: الآن إذا كنت هناك، كنت سأختار البقاء. ما نعيش فيه الآن هو منزل والدة جيري، وقد عاد لهنا ليعتني بها. كما عاش أبي وزوجته في المنطقة أيضا. لقد شعرنا أن كل هذا لن يستغرق سوى فترة محدودة من الوقت نقضيها في خدمة هؤلاء الطاعنون في السن، ثم سننتقل. وبالطبع، لأسباب مختلفة، لم يحدث هذا. لقد رحلوا منذ وقت بعيد، لكننا مازلنا هنا. أحد أسباب بقاءنا هو هذا المنظر الطبيعي الذي أصبح ذو أهمية خاصة لنا. هذا بالطبع شيء عظيم. لم يسبق أن تملكني أي منظر طبيعي أو ريفي أو بحيرة أو بلدة بهذا الشكل. لذلك فأنا ممتنة لجيري. لا اعتقد أني سأغادر أبدا.