Tuesday, April 21, 2015

أشعر بالكمال


منذ أن انتهت جومبا لاهيري من كتابة "الأرض المنخفضة"، التي كانت تتخيل أحداثها قبل كتابة أي من كتبها الثلاثة المنشورة، 

نرى إنها قد تكون بالفعل متممة لحلقة سردية لها أسلوبها المتفرد. تقول لاهيري، التي نشرت روايتها الأخيرة في سبتمبر 2013، 

"يتراءى لي أن الرواية تسير في اتجاه مختلف بطريقة ما، إنها الرواية التي كنت أتوق لكتابتها منذ البداية".

كل الكتب الثلاثة – مجموعتان قصصيتان "مترجم الأوجاع" و"أرض غريبة"، ورواية "السمي" – كانوا نتاج تجربة مهاجرين من

 جنوب شرق آسيا إلى شمال شرق الولايات المتحدة الأمريكية. يغطي الكتاب الرابع، رواية "الأرض المنخفضة"، نفس المساحة 

لكن بأساليب مختلفة. تحكي عن أخوان هنديان يعيشان في كلكتا ثم ينتقل احدهما إلى الولايات المتحدة، تدور الأحداث عن شبابهما

 أثناء الانقسام الهندي السياسي في ستينات القرن الماضي، حتى الوقت الحاضر في أمريكا. بالكاد يكون الانتقال من أمة لأخرى أمر

 يسيرا. في "الأرض المنخفضة"، تبدو شخصيات لاهيري مصممة على أن تجعل الأمر أكثر صعوبة. فالرواية حققت فكرتها 

الرئيسية المتماسكة عن التفكك حتى تطرفها المنطقي.

لاهيري نفسها تعيش حياة مفككة قليلا. مستقرة حاليا في روما. حازت على جائزة البوليتزر الأمريكية المعتبرة عن مجموعتها 

القصصية الأولى "مترجم الأوجاع". ووصلت إلى أرفع الجوائز الأدبية في انجلترا وهي قائمة البوكر القصيرة عن روايتها 

الأخيرة 

"الأرض المنخفضة". رغم مولدها بلندن، لكنها قضت معظم حياتها بالولايات المتحدة، وقالت إنها مثل العديد من شخصياتها: 

"الشعور إني أمريكية أو اعتبار نفسي مواطنة أمريكية، كان أمرا شاقا بالنسبة لي في معظم فترات حياتي".

لذلك فإن "الأرض المنخفضة" تبدو بطرق عديدة أوج تجربة مهنية طويلة عن التفكك. إنه الكتاب الأقل اهتماما بالحياة الأمريكية من

 بين جميع كتابها، حيث أن شخصياتها مشغولين بالتأمل بدرجة استثنائية حتى للاهيري نفسها، مستغرقين في أحداث وقعت منذ 

أعوام مضت.

المحرر: أود أن أبدا من إقامتك في روما، عملك يدور في مساحة جغرافية هائلة، اتساءل إذا كنت تري عملك الآن في ضوء وجودك في دولة جديدة تماما.

لاهيري: حسنا، يبدو أن الرواية تسير في اتجاه مختلف عن ما يمكن اخبارك به. ولكني عندما انتهيت من الأرض المنخفضة، شعرت إني في نهاية مرحلة محددة من حياتي المهنية. إذا كان بإمكاني إدعاء معرفة هذا بدون كتابة عمل جديد يسمح لي بالمقارنة. لكني أرى أن هذه الرواية هي ما كنت أود كتابته منذ فترة طويلة، وبدأت بالفعل في تخيل أحداثها منذ عام 1997، قبل أن أنشر أيا من كتبي، وتقريبا بعد كتابة واحد منهم.
شعرت أنه الكتاب الذي انتظرت كتابته منذ البداية. وبعد أن فعلتها أخيرا، شعرت بالكمال، بشكل لم أشعر به من قبل حتى بعد انتهائي من أي من كتبي، من ناحية موضوعات تلك الكتب وشخصياتها ومن أين اتوا، حرفيا ومجازيا. ما أريد قوله أن فكرة الاغتراب مستمرة في جذبي للغاية، مع الأخذ في الاعتبار إني أعيش الآن في بلد كأجنبية بشكل كامل أكثر من أي وقت مضى. ولازلت مهتمة بتلك التجربة. ولكن الآن، كل المتغيرات تبدلت بالنسبة لي من حيث ما يحيط بي بشكل يومي.

المحرر: هناك بعض الاستعارات التي يربطها القراء والنقاد بكتبك ضمن ما اطلقتِ عليه مرحلتك الأولى، تلك المرحلة التي بدأت بمترجم الأوجاع وختمت بالأرض المنخفضة. في اعتقادك ما المشترك بين كتب تلك المرحلة؟ وهل ترين أن بداية مرحلة جديدة يتطلب بالضرورة ترك أي عناصر للحبكة وراءك؟

لاهيري: حسنا، أنا لا أعرف ماذا يقول النقاد. ولكني أرى أن العمل نوع ما تجربة ثنائية الثقافة، تجربة هجرة شخصيات من الهند، 

إلى الولايات المتحدة في وقت محدد وهو نهاية الستينات وبداية السبعينات، وفي مكان محدد وهو الشمال الشرقي. لذلك أعتقد أن 

كتبي الأربعة يشتركون في هذا سويا. فجميعهم ينظروا ويعيدوا النظر إلى نموذج الهجرة، من خلال ما يفعله الشخصيات. هذا أمر 

لم أعد أهتم باكتشافه الآن. أشعر إني أريد النظر إلى مكان آخر، وإلى شيء مختلف.

المحرر: الأرض المنخفضة ممتدة زمنيا، وتغطي مساحة شاسعة في كل الاتجاهات، كما إنها تختلف عن القصة القصيرة، ذلك النموذج الذي يسرد عادة فترة مميزة من الوقت. أي نموذج يعد أكثر طبيعية؟ وهل الهدف من كتابة أي رواية أن تكون ممتدة زمنيا مثل روايتك الأرض المنخفضة؟

لاهيري: لا أعتقد ذلك أبدا. أرى أن الرواية يمكنها أن تكون على أي صورة ويمكنها أن تكون انسيابية للغاية، ولديها تركيز مؤقت كثيف وهذا يجذبني. وأحب أن أقرأ الروايات التي تركز على حدث أو زمن محدد للغاية. أما الأرض المنخفضة، فإنها كانت في حاجة للامتداد زمنيا لعدة أسباب. اعتقد إنها نتيجة مباشرة لمجموعتي القصصية السابقة "أرض غريبة"، التي كانت ممتدة لفترة زمنية أطول، كنت أشعر خلالها إني في حاجة لاكتشاف طرق لعبور الزمن بسرعة.

المحرر: بمعرفة إن فكرة روايتك الأخيرة راودتك منذ فترة طويلة، هل كنت بحاجة إلى كتابة "أرض غريبة" لتستعدي لكتابة "الأرض المنخفضة"؟

لاهيري: حسنا، لا أعرف. لا يمكنني قول هذا. عندما كتبت تلك المجموعة القصصية، كتبتها فحسب. لم أفكر إنها مادة تمهيدية لروايتي التالية. لم أكن أعرف من الأساس إني سأكتبها. راودتني فكرتها لعقد من الزمن، ولكني لم أكن أعرف أن بعد انتهائي من "أرض غريبة" إني سأعود إلى الفكرة التي تحولت مؤخرا للأرض المنخفضة. لقد كانت مجرد فكرة رئيسية. بالنسبة لي، عندما انخرط في العمل، لا أفكر فيما سيتبعه أو ما سبقه. أعني إني أغرق تماما في العمل وأواجه تحديات العمل قبل أن أفكر به، وأشعر أن هذا هو كل ما علي التفكير به. لذلك لا أملك إجابة على ذلك التساؤل.

المحرر: حصولك على جائزة البوليتزر شيء استثنائي – تلك الجائزة التي تعبر عن توجهات أمريكية – والآن وصلت لقائمة جائزة البوكر، الجائزة المخصصة للكتاب من دول الكومنولث. كيف تصنفين نفسك وفقا لجنسيتك وهل تفعلي؟

لاهيري: لا أعرف. لدي جوازان سفر، لأن كان علي أن أحمل على الأقل واحدا، ولا أعرف حقا كيف أعرَف نفسي. وكلما كبرت، 

شعرت إني محظوظة للغاية لأني حاصلة على جنسية مزدوجة وفقا للأوراق الرسمية. فلقد كان الشعور إني أمريكية أو اعتبار 

نفسي مواطنة أمريكية أمرا شاقا بالنسبة لي في معظم فترات حياتي. إنه موضوع معقد يتطلب محادثة طويلة. وهذه إجابة مختصرة.

لكني في نفس الوقت لم أشعر أبدا إني من جنوب الهند، أنا لم أعش هناك قط. أشعر إني مجموعة هوامش لهويات متعددة، وليس هوية واحدة أبدا. وهو أمر لم يعد يعنيني بشكل شخصي الآن. لكني أعتقد بشكل ما أن مسألة الهوية والنشأة، أو كون المرء لديه هوية محددة أو غير محددة، يمكننا أن نطلق عليها هوية منقسمة، لم تعد تشغلني على المستوى الشخصي والعملي. غير إني مازلت لا أعرف – رغم أنه امرا يسيرا الآن أن أقول عن نفسي إني أمريكية، لأني اعتقد أن أمريكا تطورت وفكرة أني أمريكية تطورت معها كذلك. أعتقد أن أثناء سنوات نضجي العصيبة، كان واضحا لي تماما إني لست أمريكية الهوية، لأني لم أك أُعتبر مثلهم، وقد نشأت على ألا أكون، لذلك كان الوضع كله بمثابة عبء.

المحرر: هل شعرتِ بمسئولية زائدة – وإنك متحدثة رسمية بشكل ما؟ لأنك ربما تكوني الكاتبة الأمريكية – الهندية الوحيدة التي لاقت أعمالها رواجا؟

لاهيري: لا. أعني أن من الجنون أن يكون الأديب متحدث رسمي عن أي شيء بوجه عام. لم أفكر مطلقا هكذا. انا أحاول أن أعبر عن تجربة محددة لشخصيات محددة، وهذا كل ما أحاول تجريبه. لم أحاول كثيرا أن أفكر في تمثيل ثقافة ما، لأنه مستحيل، وسيعرضني للنقد. كما إن هذا لا يهمني فحسب. لم أفكر في العالم على هذا النحو ولم أتخيله كذلك أثناء عملي. أنا غير قادرة على التفكير في تلك الشروط العامة.

المحرر: هناك نقاش مستمر في صحف الأدب الأمريكي حول نقاط القوة والضعف فيما يسمى الشخصيات المحببة. وبعض تلك المناقشات تستبعد شخصيات من روايتك الأخيرة. ما رأيك في حاجة الشخصية لجوانب محببة من عدمه لتجذب القاريء؟

لاهيري: لا أعتقد في هذا. فأنا أكتب عن الشخصيات التي تجذبني بشكل خاص. ولا أرى كتاباتي مادة للتسلية. أنا لا أقرأ الكتب للتسلية والمتعة. أنا أقرأها لتعمق فهمي للظروف الإنسانية. أعتقد أن بعض الشخصيات معقدة للغاية. وأن البشر مخلوقات مركبة، لذلك لا أفكر على هذا النحو، ولن أفعل.

المحرر: هل تعتقدين أن لكتاباتك حس فكاهي؟

لاهيري: لا، ليس كثيرا.

المحرر: هل تتضمن أعمالك القادمة بعضا منها؟

لاهيري: لا يمكنني التأكيد. فأنا كقارئة أحب الأعمال الكئيبة. ربما لأن هذا ما أنا عليه. أعتقد أن روعة الأدب تكمن في إمكانية وجود العديد من الطرق المختلفة للتعبير، من الأخف والأكثر فكاهة حتى الأعمال الدرامية السوداوية. فالمساحة الخيالية واسعة تماما، وهذا ما شدني.

عن مجلة صالون
نُشر في أخبار الأدب - أبريل 2015

No comments:

Post a Comment